الحاملين النفس اللوامة ، فهما يدلان أصحابهما الى إمكانية وضرورة جمع العظام وتسوية البنان ليوم الحساب.
فلا معنى للقيامة الحقة ، حسب الأدلة الواقعية والعقلية ونصوص الوحي ، إلا قيام الأجساد من الأجداث وعود الأرواح إليها للحساب والجزاء الوفاق ، وقيام الأشهاد وقيام الناس لرب العالمين ، فالقيامة المجردة عن حشر الأجساد قيامة جرداء عن أهم معانيها ومغازيها.
وناكروا حشر الأجساد والحساب لا يصدقون بقيامة الحساب حتى يقسم لهم بها تصديقا إلزاميا ، وان كانوا يلهجون بها تعنتا (يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) لكنها كلمة جوفاء عن أهم معانيها : جمع العظام والحياة الحساب ، إذا ف (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) لمن ينكر حقه مهما لهج بلفظه.
والنفس اللوامة ـ كذلك ـ كيوم القيامة ، تشهد للحياة الحساب ، فالنفوس على ضروب شتى : منها قدسية مطمئنة بالله ، راضية عن الله ، فمرضية عند الله ، فهي لا تلوّم أصحابها إذ لا تقصّر عامدة معاندة ، مهما قصرت عما يحق لساحة الربوبية ، فقد تلوم لقصورها دون تلوّم ، فهي دائبة في طاعة الله ، مستزيدة لمرضاة الله كالسابقين والرعيل الأعلى من اصحاب اليمين ، وهؤلاء حياتهم الذكر ، ليسوا بحاجة الى القسم بيوم القيامة والنفس اللوامة ، فانها لهم مطمئنة.
ومنها بهيمية مطمئنة الى دركات الهوى ، معرضة عن الهدى : (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها) (١٠ : ٧) وقد تبلغ من الشراسة والشماس لحدّ تلوّم أنفسها وسواها لو فعلت خيرا أو اهتمت بخير ، فهؤلاء لا ينفعهم القسم بالنفس اللوّامة إذ فقدوها إلى خلافها.
ومنها لوّامة غير مطمئنة لا الى الله ولا الى اللهو ، عوان بين ذلك ، قد تطيع ربها فتطمئن ، وقد تعصي وتشرد فتلوّم نفسها ، فهي الى خير ما دامت لوّامة تندم وتندّم أصحابها ، تلوّم العقل لو ارتاب في الحساب العدل ، وتلوّم نفسها في جوارحها لو عصت أمر ربها ، فهي ضابطة لعقيدة الايمان ،