وجاءت (الْمُؤْتَفِكاتُ) : الأقوام المفترية على الله ورسله ، كقوم لوط وأضرابهم. جاؤا (بِالْخاطِئَةِ) : الحياة الخاطئة ، بالأفكار والتصرفات الخاطئة ، خطأ متعمدا في حياة جهنمية مريرة.
(فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ) : كتلة الضلالة عصت كتلة الهداية التي تجمعها رسالة إلهية واحدة ، ولأنهم أجمع من إله واحد ، وباتجاه واحد ، مهما اختلفت فروع جزئية من شرائعهم صوريا لا جذريا ، لا فحسب أنهم واحد ، بل وأمتهم أيضا واحدة : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ. فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (٢٣ : ٥٣) ، فشخصية الرسل واحدة ، وشخصية الأمم التابعة لهم صدقا واحدة ، مهما كان الأشخاص والأمم عدة ، فتكذيب رسول واحد تكذيب للرسل أجمع ، لأنه تكذيب للرسالة الإلهية : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) في الاتجاه نحو إله واحد ، ولقد كان نتيجة تكذيب تلك الأقوام الرسالة الإلهية هي الأخذة الرابية :
(فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً) عالية ضامرة غامرة تربو على قبيح أعمالهم : (أَخْذاً وَبِيلاً) (٧٢ : ١٦) إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (١١ : ١٠٢) كيف لا! وهو (أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ).
أجل ـ وانها أخذة تعلوهم كما استعلوا وعتوا عن أمر ربهم ، دون أن تربو على عتوهم (أَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فقد ينقص العذاب عن الاستحقاق دون أن يربو عليه ، وإنما الثواب هو الذي يربو على الاستحقاق. بل ولا استحقاق .. إلا مغفرة من الله وفضلا.
(إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ. لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) لقد طغا الماء في طوفان نوح عليه السلام في طموّ أمواجه وارتفاع أثباجه كالرجل الطاغي الذي علا متجبرا ، وشمخ متكبرا ، طغا الماء على الطغاة ، وكثر على ضبّاطه وخزانه ، فلم يضبطوا مدى الخارج منه كثرة.