اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) (٢٧ : ٨٨) : هذه قدرة الصنع والتعمير وتلك هي ـ قدرة السحق والتدمير وكلتا هما من حكمة الخبير البصير.
والأنباء المسبقة عن قيامة الجبال في سورة النبأ كافية لحدّ مّا فيما توحي لنا آيتنا هذه ، وسوف يأتيكم نبأها الفصل في طيات التفسير.
(وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ) :
العشار ـ جمع العشراء ـ هي النوق الحبالى في شهرها العاشر ، وهي أعلى ما تكون بما هي قريبة الولد ، صاحبة اللبن .. فهي تعطل يوم الطامة الكبرى في الصيحة الأولى : عطلة عن الحراك والولد والحليب ، إذ تضع حملها قبل أوانه ، ويجف حليبها لشدة الوقعة .. وهي تهمل عن صواحبها ـ ف (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) وكيف لا؟ وهي الساعة التي : (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) (٢١ : ٢).
والعشار ـ بما هي أثمن ما كانت تملكه العرب المخاطبون وقت النزول ـ إنها ، وبصورة عامة ، تمثل أثمن ما يملكه الإنسان ويتنافس فيه المتنافسون ، فهو يشتغل عنها بنفسه في صيحة الإماتة ، وكما يفرعن ذويه في صيحة الإحياء ، ف (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ).
(وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) :
فما هي الوحوش؟ وما هو حشرها؟ .. فهل إنها كل الدواب سوى الإنسان؟
وليست الكل نافره عن الإنسان ، متنافرة مع بعض ، حتى تكون وحوشا كلّها! أم هي غير الآنسة والمتآنسة من الدواب ، ومن الإنسان؟ أظنه أسلم من