ترحّم واعتذار ، ويسأل وائدها سؤال تقحّم وإنذار ، سئلت : «لها وعنها».
إن السؤال في لفظ الآية لم يوجّه إلى الوائد وهو المسؤول! إذ خرج بفعلته الوحشية عن أهلية الخطاب ، والموؤودة هي المؤهلة للسؤال ، أن تسأل ترحما واعتذارا بجنب المسؤول ، وتنديدا وإنذارا للمسؤول ، وكما السيد المسيح سئل : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) (٥ : ١١٦).
فقد انحطت درجة المسؤول هنا وهناك لحدّ لا يوجه إليه وحتى خطاب العتاب فكيف بسائر الخطاب : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢ : ١٧٤).
(وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ. وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ) :
نشر الصحف وكشط السماء ، فما هي الصحف المنشورة؟ وما هو كشط السماء؟ فما هي النسبة بينهما إذ قرنا؟
الصحيفة هي المبسوط من الشيء ، وهي غير منشورة يوم الدنيا لأهلها ، ثم تنشر : تبسط وتخرج عن الخفاء والخباء ، وإنها : صحف الوحي ، وصحف الأعمال من الأعضاء ومن الأرض ، وصحف القلوب والصدور والأفكار ، التي كانت مبسوطة ، عليها سطور الهداية وسجلات الأعمال ، ولكنها كانت خفية عن غير أصحابها ، أو خفية عن بعض أصحابها ، الذين خفيت صحائف عقولهم «إنارة العقل مكسوف بطوع الهوى» وصحائف قلوبهم (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٨٣ : ١٤) (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) (٢٩ : ٣٨).
أخفوا على بصائرهم صحف الوحي ، وأخفيت عن أبصارهم سجلات الأعمال ،