فكما المقوّم يجب أن يكون مستقيما ، كذلك المقوّم ، عليه أن يشاء الاستقامة ويعمل لها : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٣٠ : ٣٠).
فمشيئة الاستقامة تأخذ بالإنسان إليها حيث المقومات من وحي السماء ورسل السماء تترى و (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ).
(وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) :
هل إن آية المشيئة هذه تعلّق مشيئة الإنسان بمشيئة الله : أنه مسيّر في مشيئته وليس مخيّرا؟ وهذا خلاف الواقع الملموس ، ولا تلائمه الآية المسبّقة : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) إذ توحي باختيار الإنسان في مشيئة الاستقامة وسواها.
نقول انها ـ على احتمال ظاهر بين محتملاتها (١) ـ تخرج الإنسان عن استقلاله في مشيئته ، وتجعله بين أمرين : «لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين» فلا هو
__________________
(١) واحتمال آخر : وما تشاؤون استقامة إلا أن يشاء الله ذلك الاستقامة ، فليست مشيئة الله لتحقيق الاستقامة والهداية إلا بعد مشيئة العبد وهذا عكس الاحتمال الأول إذ كانت المشيئة الالهية فيه هي السبب لمشيئة العبد المحققة للاستقامة والهداية.
ومشيئة العبد مشيئتان : مشيئة أولى في البداية ، وثانية لتحقيق الغاية ، ومشيئة الله كذلك هنا في مرحلتين : تشريعية وتكوينية ، فما لم تكن الأولى لم تتحقق المشيئة الثانية للعبد لعدم الدلالة ، وما لم تكن الثانية لم تتحقق كذلك لأمرين في الخير وأمر واحد في الشر ، يزيد الخير على الشر في مشيئة التوفيق ويشتركان في عدم تحقق المراد إلا بإرادة الله التي هي آخر المطاف في أسباب تحقق الغاية.
(راجع كتابنا حوار بين الآلهيين والماديين بات الأمر بين الأمرين).