(يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (٢٥) خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (٢٦) وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) (٢٨)
خمر الدنيا والآخرة :
(يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ) :
يسقون من رحيق ، وما أدراك ما الرحيق ، إنه الخمرة الصاخبة الخالصة من كل غش ، وليست كخمر الدنيا التي هي غش للعقل وغش للجسم ، غش للفرد وغش للمجتمع ، وكلها غش ، وإن كان فيها نفع فإثمها أكبر من نفعها بكثير.
لنأخذ مثالا على الخمرين ، إنسانين ، أحدهما أبو لهب عم النبي ، وثانيهما هو النبي الأقدس ، فهل يا ترى أن اشتراكهما في الاسم وفي الهيكل الإنساني يجعلهما في مستوى واحد؟
كذلك البون بين خمر الدنيا التي يستر ويخمر عقل الإنسان وإنسانيته ، ويستر عليه صحته ، وخمر الآخرة التي تستره عما سوى الله وترفعه إلى درجات من معرفة الله ما كان ينالها لولاها ، وتصلح وتصحح جسمه ، والقرآن يصف خمر الجنة بما يخرجها عن كل غول وتأثيم (وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) (٤٧ : ١٥) لذة في العقل والروح ، ولذة في الجسم ، ولذة في المنظر ، ولذة في الطعم ، وخمرة الدنيا مرة في طعمها ، مرة إذ تنقص العقل وتنقضه ، ومرة إذ تضر بصحته ، وإن كان الجاهلون يحسبونها لذة ، فلأنهم يتحللون بسكرها عن أحكام عقولهم وعما يقيّدهم في الحياة ، لذة حيوانية عابرة تخلّف ذلة كيانية لهم.