طَبَقٍ) اللاحق صادر عن السابق ، لا «طبق بعد طبق» دون رباط بين الطبقين ، إنما (عَنْ طَبَقٍ) ، فالإنسان إنما يركب ـ طوال الحياة : حياة التكليف وحياة الحساب ـ يركب مراكب الحالات اللاحقة عن الحالات السابقة : ركوب الجزاء الصادر عن العمل.
فالحياة الدنيا طبقات بعضها عن بعض ، والبرزخ طبق عن الدنيا ، والآخرة طبق عنهما (١) ، تطابقا في المساعي ، على قدر السعي والساعي ، بكدّه وكدحه (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى).
كل لاحقة من حياة ، مطيّة لسابقتها حسب الأعمال والنيات ، يخلقها الإنسان بما تقدمه نفسه (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ. وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) .. أحوال كأنها مطايا يركبها الكادحون ، واحدة بعد واحدة ، حتى تنتهي بهم عند غاية تؤدي إلى مرحلة جديدة هي حياة الجزاء التمام ، كالأحوال المتعاقبة الكونية : طبق الليل وما وسق بعد الشفق ، ثم طبق القمر إذا اتسق ، وحتى ينتهي إلى وضح النهار إذ يلاقون أعمالهم ظاهرة باهرة ، ولا تخفى عليم خافية.
لتركبن : جميعا ومجموعا ـ جميعا لكلّ طبقه كأفراد ، ومجموعا لكلّ أمة مثال ما للسابقة ، نتيجة التماثل الأممي في التصرفات الجماعية ، والكثير من الروايات تشير إلى الطبقات الجماعية لأمة الإسلام ، فيهم وفي قادتهم الروحيين وأئمتهم الطاهرين : وكما عن الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم قوله : «لتركبن سنة من كان قبلكم حذو النعل بالنعل ، والقذة بالقذة ، لا تخطون طريقهم ، ولا يخطي شبر بشبر وذراع بذراع وباع بباع ، حتى أن لو كان من دخل حجر ضبّ لدخلتموه ، قالوا : اليهود والنصارى تعني يا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم! قال : فمن أعني؟ لتنقضن
__________________
(١) نور الثقلين عن المجمع روي مرفوعا عن النبي (ص) أن قوله طبقا عن طبق معناه : حياة ثم موت ثم بعث ثم جزاء.