(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ. خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) :
«لينظر مم خلق»؟ ولكي يعرف مصيره ، فمبتدء الخلق ـ دائما ـ آية مصيره ، فعبر هذا النظر سوف يعتبر أنه ما هو في ماضيه؟ وكيف يكون مصيره ومرجعه؟.
لينظر مم خلق؟ بعد ما يعلم أنه خلق : هل خلق هو نفسه؟ أم خلق مثله؟ أم خلق من غير خالق؟ : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) (٥٢ : ٣٥).
ثم لينظر من أية مادة خلق؟ خلق من ماء دافق : يخرج بدفق ، ورغم أنه ماءان : ـ يخرجان من بين صلب الرجل : عظام ظهره الفقارية ، ومن ترائب المرأة : عظام صدرها العلوية ـ رغم ذاك يعبّر هنا عنها بماء واحد ، علّه بما أصبحا واحدا من أمشاج : أخلاط : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ) (٨٦ : ٧) :
فهما ماءان وأمشاج ، أصبحا وأصبحت ماء واحدا لوحدة التشكيل والاتجاه إذ مزجا ومشجت.
ما كانت البشرية ـ طوال تاريخها ـ لتعرف أن الجنين مخلوق من هذين الماءين ، إنما المزعوم : أنه من ماء أبيه ، أو الذكر من الذكر والأنثى من الأنثى ، كانوا يزعمونه هكذا حتى نزول القرآن ، إذ صرح هنا وهناك أن الجنين ـ أيا كان ـ مخلوق من الماءين ، واكتشفوا علميا في منتصف القرن الأخير : أن في عظام الظهر الفقارية يتكون ماء الرجل ، وفي عظام الصدر العلوية يتكون ماء المرأة ، حيث يلتقيان في قرار مكين فيصبحان ماء الجنين! فمن الماء الدافق إلى الإنسان العاقل الناطق!