لا يبقى لحم ولا عظم إلا طينته التي خلق منها فإنها لا تبلى ، تبقى مستديرة في القبر حتى يخلق منها كما خلق أول مرة» (١) : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) (٣١ : ٢٨).
ورجع ثالث ترجع فيه روحه إلى قالبه الأصيل ، الذي عمل فيه ما عمل حياته.
ورجع رابع ترجع فيه أعماله وأقواله كما صدرت ، ذلك بأن الله كان حفيظا عليه بروحه وببدنه الأصيل وبأعماله ، دون أن تضل منها شيء وحتى عن ملك الموت : (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ. قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (٣٢ : ١١).
(يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) : السرائر جمع السريرة وهي الطوية في النفس أو غيرها ، من أسرار وأفكار ، وإبلائها إظهارها ، فإنه ظهور الحقيقة بعد خفائها ، وبالبلاء يظهر الخفاء ، فعامة السرائر سوف تظهر كأشهاد ، يوم تقوم الأشهاد : مما أسره الإنسان في نفسه أو أبداه : (إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) (٢ : ٢٨٤) فما يبديه أيضا يبقى سرا يسجّل في المسجلات الإلهية ، ثم لا يبقى سر مما أسره أو أبداه إلا ويبلى يوم تبلى السرائر ، وقد يعد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أمثال الصلاة والزكاة من السرائر التي سوف تبلى (٢) حال أنها ليست من الأسرار الخافية إلا شذرا نذرا فيما يخفيه صاحبه ، إلا الصوم الذي هو سر بطبعه ، وقد عده صلّى الله عليه وآله وسلّم في عداد غير الأسرار كالصلاة والزكاة.
__________________
(١) بحار الأنوار ج ٧ ص ٤٣ ح ٢١.
(٢) في الدر المنثور ٦ : ٣٣٦ ، أخرج البيهقي في شعب الايمان عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله (ص): ضمن الله خلقه أربعة : الصلاة والزكاة وصوم رمضان والغسل من الجنابة وهن السرائر التي قال الله (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ).