(سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى. وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى. الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى. ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) :
فنفع الذكرى لمن يخشى هو أن يخشى ، وللأشقى أن يتجنبها عن حجة فيصلى النار الكبرى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١٧ : ١٥).
(ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها) : فلا يحسّ عذابها ويرتاح منها (وَلا يَحْيى) : عائشا كالأحياء ، لامسا طراوتها ، متنحيا عن ضراوتها ، فلا الموت يدفع عنه عذابها ، ولا الحياة تجلب له متطلباتها ، فهو بين الموت والحياة : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ. وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) (٣٥ : ٣٧) تأتيهم بواعث الموت ، ولا يأتيهم قضاؤه ، فبالحياة هناك إنما يذوقون آلام الموت ، وبالموت يحرمون آمال الحياة.
(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) :
إن التزكي هنا هو التطهر عن كافة التعلقات بما سوى الله ، بالنفس والنفيس ، وبالأهلين ، التعلقات المادية والمعنوية ، إلّا ألّا يؤصّلها ، وإنما يتذرعها إلى الله دون أن يحسب لها حسابا إلا هذا الحساب ، فلو أمكنه تحصيل مرضاة الله بغيرها لرفضها ، ولم ينظر إليها أبدا ، فهو ـ إذا ـ يعيشها ليعيش مع الله حياة طيبة.
قد أفلح المتزكي هكذا ، فالتزكي هو الوسيلة الوحيدة لإفلاح السبيل ، ونجاح الدليل ، ف «من خاف الله أخاف الله منه كل شيء ، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء» عن الإمام الرضا عليه السّلام.