المشابهة ، فإن طعامهم يشبه الطعام وليس به ، ولذلك لا يسمن ولا يغني من جوع ، وهما الأصلان في خواص الطعام ، فليس الضريع طعاما من سنخ واحد ، وكما أن وصفه هنا يشهد ، وكما اللغة تشهد ، فإنها لا تعرف طعاما خاصا اسمه ضريع ، وكذلك سائر القرآن يشهد ، إذ يذكر لهم أطعمة عدة كلها ضريع بمعنييه ، كالزقوم : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ. كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ. كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) (٤٤ : ٤٦) وغسلين : (وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) (٦٩ : ٣٦) (وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ) (٧٣ : ١٣) غصة وغم في أرواحهم ، وغصة في الحلقوم ، فطعامهم كله ذا غصة ضريع ، لا يسمن ولا يغني من جوع ، كما أن كله غسّاق : (إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً) (٧٨ : ٢٥) يغسق ويظلم على آكله حياته ، ويحبّذ إليه مماته : (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً).
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ. لِسَعْيِها راضِيَةٌ. فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ. لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) :
لم يعطف الوجوه الناعمة على الخاشعة للبون البعيد بينهما ، وعدم الانعطاف بينها وبينها ، فهذه ناعمة ناضرة ضاحكة مستبشرة مبيضة ، وتلك خاشعة مسودة باسرة عليها غبرة ترهقها قترة (١) ، فأين وجوه من وجوه! وكيف يعطف بينهما وإن في التعبير؟
هذه ناعمة : ظاهرة البهجة والسرور ، من النعومة : (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) وناعمة : متنعمة يبدو عليها النعيم ، ويفيض منها الرضى :
(لِسَعْيِها راضِيَةٌ) : راضية عما سعت ، مرضية لربها ، فهي عاملة في دنياها ، راضية في أخراها ، دون نصب وتعب ، خلاف العاملة الناصبة.
__________________
(١) كما في الآيات ٣ : ١٦ و ٧٥ : ٢٤ و ٨٠ : ٤٠.