نجدي التقوى والطغوى ، الخير والشر (١) : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها. فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) والنجد هو المرتفع العالي ، فإلهام الفجور والتقوى ليس بالأمر المخفي ، وإنما كالنار على المنار ، والشمس في رايعة النهار ، فكأنه تعالى بفرط البيان لهما قد رفعهما ونصبهما للناظرين ، لمن له عينان يبصر بهما ويتبصّر.
فهذه هي الهداية التامة : الاهتداء إلى الخير لنطلبه ، وإلى الشر لنخالفه ، وهذا السلب والإيجاب للوصول إلى نجد الصواب ، بحاجة ملمة إلى اقتحام العقبة :
(فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ. وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ. فَكُّ رَقَبَةٍ) :
العقبة هي المرقى الصعب الملتوي من الجبال ، القمم التي عليها النجدان ، فلا بد للإنسان المخلوق في كبد ، أن يكابد في اقتحام العقبة : رميا بنفسه فيها مهما كانت شديدة مخيفة ، فإن أمامها أخوف وأشدّ ، وهي بعد اقتحامها حياة سليمة قاضية على كل كبد وإلى الأبد ، والقمة العليا من هذه العقبة ، هي فكّ رقبة : أن تفك رقبتك من حبائل الشيطان ، ثم تربطها بحبل الرحمان ، معتصما به حياتك : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا).
فاقتحم بنفسك ونفسك هذه العقبة القمّة ، لكي تسهل لك سائر العقبات ، وتهون عليك تبعات دنيا الحياة ... تفك رقبتك عن أسر الهوى التي ألهمك الله إياها في نجد البشر ، ثم تواصل في سبيلك إلى الهدى التي ألهمتها في نجد
__________________
(١) نور الثقلين ٥ : ٥٨١ والدر المنثور ٦ : ٣٥٣ عن رسول الله (ص) أنه قال : أيها الناس هما نجدان ، نجد الخير ونجد الشر ، فما جعل نجد الشر أحد إليكم من نجد الخير ، والدر المنثور عن علي (ع) مثله ، والكافي عن الصادق (ع) مثله.