ناصية الآيات الخمس الأول تشهد ، ومعها الروايات ، والمفسرون أجمع يشهدون : أنها أوّل ما نزلت من القرآن على الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وهي تحمل معنى البسملة بوجوب قراءتها قبل القرآن ، فلا تنافيها الروايات القائلة أن الحمد هي الأولى ، إذ أمر فيها بقراءة البسملة قبل الحمد كما قبل السور كلها ، والحمد بما تحمل بحمل القرآن توحي أنها الأولى ، وأما المدثر فليس إلا بعد تدثّر الرسول إثر نزول أوّل الوحي المباغت ، فليست هي ـ إذا ـ إلا أوّل المفصل.
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) :
وقد يوحي «اقرأ» أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يكن قارئا قبله ، فتأمره الآية أن يقرء القرآن مبتدئا بالبسملة ، ف (بِاسْمِ رَبِّكَ) يشير إلى (بِسْمِ اللهِ) و (الَّذِي خَلَقَ) : الرحمان ، فإنه الرحمة العامة المدلول عليها بالخلق ، فلا أعمّ منه ، و (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ .. عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) : هو الرحيم ، فإنه الرحمة الرحيمية الخاصة : خلق الإنسان وتعليمه ما لم يعلم ، فما كان الرسول يتلو من قبله من كتاب ، فأخذ يتلوه هنا اقرأ» وما كان يعلم (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) فأخذ يتعلمه هنا : (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ).
وتنقل الروايات عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قوله ـ إذ أمره ملك الوحي بالقراءة ـ : «ما أنا بقارئ ، يقولها ثلاثا فيضمه إلى صدره إيناسا بالوحي ، فقال أخيرا : ما أقرء؟ قال : اقرأ باسم ربك ..» ولم يبين هنا ماذا يقرء ، إلا أصل قراءة الوحي باسم الله (١) ما يدل أيضا على أنه بداية الوحي ، فقرء بإقراء الله : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ..) وإلى سائر القرآن ، واعتبارا أن البسملة من القرآن فليستعذ بالله قبلها (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (١٦ : ٩٨) مهما كان الأمر بها سابقا أم لا حقا.
إن الإنسان بجزئيه : النفسي والجسدي ، ليس كيانه ـ وكسائر الكائنات ـ
__________________
(١) لما قال (ص): «ما ان بقارئى» دل على انه ما كان ليقرء لا بالوحي ولا بغير الوحي ، فكيف يقرأ وماذا يقرأ؟ فلما ضمه ملك الوحي الى صدره ثلاثا ، أجابه اقرأ بالوحي : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ..) : أقرأ باسم الله الذي رباك