ورباهم بالوحي ، من علي أمير المؤمنين عليه السّلام إلى المهدي القائم محمد بن الحسن العسكري عليهم أزكى التحية والسلام (١).
وبهذه المنزلة السامية تصبح سورة القدر حاكية عن منزلة أهل بيت العصمة المحمدية ، وهي نسبتهم الروحانية ما أعلاها.
(.. بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) :
من كل أمر : بعضا من كل الأوامر والأمور ، لا كلّها ، فمن الأمور والأوامر ما هي مختصة بالله تعالى ، ومنها ما يتنزل على الناس أجمع ، ومنها ما لا يتنزّل إلا على المعصومين الطاهرين ، قادة العباد وساسة البلاد وأركان الإيمان وأمناء الرحمان.
فالنازل على العباد ليس إلّا من بعض أمر ، لا من كل أمر ، والله تعالى عنده وله كل أمر ، تكوينيا وتشريعيا ، علميا وتنفيذيا.
ثم ينزل على أمنائه المصطفين المخلصين ، من كل أمر ، فما هو الأمر؟ وما هو كل أمر؟.
هنا ندرس الأمر بكيانه ونزوله من «حم» : (حم. وَالْكِتابِ الْمُبِينِ. إِنَّا
__________________
(١) الكافي عن الإمام الصادق (ع) قال : كان على (ع) كثيرا ما يقول : اجتمع التيمي والعدي عند رسول الله (ص) وهو يقرأ (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) بتخشع وبكاء ، فيقولان : ما أشد دقتك لهذه السورة؟ فيقول رسول الله (ص) لما رأت عيني ووعى قلبي ، ولما يرى قلب هذا من بعدي ، فيقولان : ما الذي رأيت؟ قال فيكتب لهما في التراب : تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ـ قال : ثم يقول : هل بقي شيء بعد قوله عز وجل (لِّ أَمْرٍ) فيقولان : لا ـ فيقول : هل تعلمان من المنزل إليه بذلك؟ فيقولان : أنت يا رسول الله (ص) فيقول : نعم ، هل تكون ليلة القدر من بعدي؟ فيقولان : نعم ـ قال : فيقول : فهل ينزل ذلك الأمر فيها؟ فيقولان نعم ـ قال : فيقول : إلى من؟ فيقولان : لا ندري ـ فيأخذ براسي ويقول : إن لم تدريا فادريا ، هو هذا من بعدي ـ قال : فإن كانا ليعرفان تلك الليلة بعد رسول الله (ص) من شدة ما يداخلهما من الرعب» (نور الثقلين ج ٥ ص ٦٣٣ ح ٩٠).