ولاختلاف أمد الخلود ترى فرقا من الكفار ينص على خلودهم بالأبد ، كالمشركين المكذبين الصادين عن سبيل الله ، وفرقا أخرى بالخلود دون الأبد ، كفساق المسلمين وأهل الكتاب غير المشركين : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ. جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ..) (٩٨ : ٦ ـ ٧).
هنا ـ رغم تأبيد الخلود للمؤمنين ، لا يؤيده لأهل الكتاب والمشركين ، رعاية للأولين إذ لا يخلد أهل الكتاب أجمعين ، ثم آيات أخرى تخص الخلود الأبد بالمشركين ومن نحى منحاهم.
ولمحة أخرى لحد الخلود توحيها الآيات التي تحده ما دامت السماوات والأرض وبمشيئة الله تعالى : (قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (٦ : ١٢٨) (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ. فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ. خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (١١ : ١٠٥ ـ ١٠٧).
فإنها تقيّد وتحدّ الخلود بدوام السماوات والأرض مرة ، ثم بأقل منه حسب مشيته الله تعالى ـ أخرى.
وبعد هذه الدلالات القرآنية واللغوية لا نجد ما يعارضها دلالة على المكوث اللانهائي فلسفيا في النار ، لا كتابا ولا سنة ولا عقليا ، بل العقل حجة قاطعة على تزييف أسطورة اللانهاية في العذاب ، فهل تجد عاقلا مهما بلغ من الظلم والبربرية والوحشية والخشونة أن يحكم بعذاب اللانهاية على من عصاه طوال عمره؟ كلا! فغاية الأمر تعذيبه لزمن ثم إعدامه بالمرة ، فما ذا تظن إذا برب العالمين الذي سبقت رحمته غضبه ، وليس عذابه انتقاما ، وإنما جزاء وفاقا ناتجا عن ذات العمل ، إلى حيث يعتبر الجزاء نفس العمل : (فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٣٦ : ٥٤).