كذبوا بهذه الآيات الإلهية رغم أنها آيات : علامات قاطعة تدل على أنها إلهية ، لمن أبصر بها وتذرع لمعرفة ما وراءها ومعها من حقائق إلهية.
كذبوا بها كذابا : تكذيبا عجيبا في أصله وفي كيفيته ، في أصله أن كذبوا ما أحاطت به بينات الصدق ، وفي كيفيته أن كرّسوا كافة طاقاتهم وإمكانياتهم في تكذيبها ، فأصبح تكذيبهم عجبا على عجب : «كذابا» *! فجرس اللفظ يوحي بشدة التكذيب كما المعنى يسانده في جرسه .. (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً)!
كتب الأعمال الضوئية والصوتية :
(وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً) :
الإحصاء هو الضبط أيا كان ، والكتاب هو المكتوب الثابت منه واقعيا ، فكل شيء : من أقوال وأعمال وأفكار ، أحصاه الله تعالى إحصائا كتابيا ، لئلا تذهب هدرا ، ولكي تبقى حجة تنطق على العاملين : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً. اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (١٧ : ١٥ ـ ١٦) فهذا كتاب في عمق الذات. يكتب الله تعالى على جوانح المكلفين وعلى جوارحهم صور الأعمال وأصوات الأقوال ـ الصادرة عنها ـ ويا له من كتاب لا سبيل إلى نكرانه ، لأن الله هو الذي استنسخ كل شيء في عنق الإنسان : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٤٥ : ٢٨ ـ ٢٩) فهل يا ترى إن الاستنساخ الإلهي يكون عن أسماء الأعمال؟ فليس هذا استنساخا! إنما هو عن أصول الأعمال بصورها وأقوالها وأحوالها .. استنساخا في كتاب الذات وفي الأرض وجوّها ، وفيما لا نعلمه والله يعلمه.
هذه الأرض التي نعيش عليها هي كتاب آخر لأعمالنا وسوف (تُحَدِّثُ أَخْبارَها بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها. يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ).