فيه شر ، فالخير كله بيديه والشر ليس اليه : (بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
وأما ما خلق : المخلوقون ، فهم الدين يفعلون الشر بسوء اختيارهم ، أو سوء الاختيار والتصرف فيهم من المتخلفين ، وشاهد مسبّق عليه ، الأمر بالاستعاذة برب الفلق ، فهل يستعاذ به تعالى مما فعل؟ كلا ـ وإنما مما يفعله ما خلق : الأشرار من خلقه.
فللخلائق شرور عدة في حالات اتصال بعضها ببعض وبعضهم ببعض ، والله يفلق هذه الشرور فصلا بين عماله وأعمالهم.
وشرور الخلق تعم التفكير السوء والعقيدة والعمل السيئين ، وتعم الجانب التشريعي والتكويني من الشر ، وهو الفالق هنا وهناك : أن يسن قوانين وأحكاما لتحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ، حيث الشرور ناتجة عن الانفصالات والتضادات ، أو من الاتصالات السيئة ، وهو الفالق : أن يقدر ويدبر الخير رغم هجمات الشر وهمجاته.
وداعية الشر يفحص عن مجالاته الملائمة وهي الظلمات ولا سيما الغاسقة ، يفحص عن ظلمات العقول والأجواء .. وليتمكن من تحقيق شره : ورب الفلق يفلق الظلمات إلى النور أيا كان :
(وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ) :
فالليل له غسق وهو مرتفعة في الظلام : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) (١٧ : ٧٨) والطعام له غسق وهو الذي يظلم على الإنسان حياته وكأنه يعميه من شدة الغصة : (هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) (٣٨ : ٥٧).
والغاسق ـ وهو الذي يدخل في غسق ـ ليس فيه كثير خطورة ما لم يقب ، والوقب هو النقرة في الجبل يسيل منها الماء ، فإذا وقب الغاسق ومكّن فهناك تمام الشر ووقعته.