نتيجة الحركات والاصطدامات بالجو البارد ، وقانون الفرار عن المركز ، وكما عن علي عليه السّلام حين يسئل : «مم خلقت الجبال؟ قال : من الأمواج» : أي أمواج السطح المذاب ، الضارب إلى الانجماد في المواضع المستعدة.
فلقد مدّت الأرض وسطحت على أثر حركاتها الأولية ، ثم على أثر دحوها ، فألقي فيها رواسي شهقت من فوقها وأرسيت في بطنها : (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) (١٥ : ١٩) (هُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً) (١٣ : ٣).
والرواسي الملقاة تعم المخلوقة الممتدة على سطح الأرض إلى باطنها ، والتي انبثقت من تفجرات البراكين ، والتي سقطت من نجوم السماء.
ومن أهم ما نذكره هنا كأبلغ نموذج روائي بعد الآيات ما عن أمير المؤمنين علي عليه السّلام بشأن الجبال : «وجبل جلاميدها ونشوز متونها وأطوادها فأرساها في مراسيها فألزمها قرارتها فمضت رؤوسها في الهواء ورست أصولها في الماء ، فأنهد جبالها عن سهولها وأساخ قواعدها في متون أقطارها ومواضع أنصابها فأشهق قلالها وأطال أنشازها وجعلها للأرض عمادا وأرزها فيها أوتادا فسكنت على حركتها من أن تميد بأهلها أو تسيخ بحملها أو تزول عن مواضعها».
فقد سطحت الأرض ومدت بما دحيت (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) فهيئت لرسوّ الجبال وإرسائها في قطع أديمها ، ثم (أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها).
(أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها. وَالْجِبالَ أَرْساها) :
عرفنا مسبّقا أن مياه الأرض كلها من السماء ، وهنا نعرف أنها نزلت عليها قبل دحوها وقبل تسبيع السماء وخلق أنجمها ، فما كان الماء ليخرج من كبد الأرض ـ وهي مجنونة الحراك والحرارة ، يتصاعد منها بخارا إلى السماء ـ لو كانت على حرارتها ، أو كان بخارا مكنونا في جوفها لكي لا يفر عنها لو ظهر