وأذلّ من يوم عرفة ، وما ذلك إلا لما يرى من تنزل الرحمات ، وتجاوز الله عن الذنوب العظام (١) ، إذ يقال : إن من الذنوب ذنوبا لا يكفّرها إلا الوقوف بعرفة. انتهى.
وعن العباس بن مرداس السلمي أن النبي صلىاللهعليهوسلم دعا لأمته عشية عرفة ، فأجيب له أني قد غفرت لهم ما خلا ظلم بعضهم بعضا ، فإني آخذ من المظلوم للظالم فقال صلىاللهعليهوسلم : «إنك لقادر أن تغفر للظالم وتعوض المظلوم (٢) من عندك خيرا من مظلمته» فلم يجب له صلىاللهعليهوسلم في ذلك العشية. فلما كان عند المشعر الحرام ووقف به ودعا وأعاد الدعاء لهم ، وتضرع لله في أن يتحمل عنهم المظالم والتبعيات ، فلم يلبث صلىاللهعليهوسلم أن تبسم فقال له أصحابه : أضحك الله سنك ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «إن إبليس عدو الله لما علم أن الله قد استجاب دعائي لأمتي وغفر لهم المظالم ذهب يدعو بالويل والثبور ويحثو على رأسه التراب فأضحكني ما رأيته من جزعه» (٣). أخرجه ابن ماجه.
وذكر ابن المبارك من حديث أنس بن مالك رضياللهعنه قال : قال صلىاللهعليهوسلم بعرفات وقد كادت الشمس أن تغرب فقال : «يا بلال ، أنصت الناس». فقام بلال فقال : أيها الناس ، أنصتوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنصت الناس فقال : «معاشر الناس إن جبريل أقرأني من ربي السلام وقال : إن الله عزوجل غفر لأهل عرفة وأهل المشعر وضمنت عنهم التبعات». فقام عمر رضياللهعنه فقال : يا رسول الله ، لنا خاصة هذا؟ قال : «هذا
__________________
(١) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (٣ / ٤٦١) ، والفاكهي في أخبار مكة (٥ / ٢٦ ح ٢٧٦٢) ، ومالك في الموطأ (١ / ٣٣٦ ح ٢٤٥) ، وعبد الرزاق في مصنفه (٤ / ٣٧٨) كلهم من حديث طلحة بن عبيد الله بن كريز.
(٢) هنا يوجد سقط في الأصل قدر عدة لوحات ، وقد استدرك من نسخة ب.
(٣) أخرجه ابن ماجه (٢ / ١٠٠٢ ح ٣٠١٣).