الفصل الخامس : في حكم المجاورة بمكة وفضلها
فذهب أبو حنيفة رحمهالله وبعض أصحاب الشافعي وجماعة من المحتاطين في دين الله إلى كراهية المقام بمكة.
قال صاحب المنظومة : ويكون ذلك إثما ، وذلك لمعان ثلاث (١) :
أحدها : الحدّ (٢) خوف التبرم والأنس بالبيت ، فإن ذلك ربما يؤثر في تسكين حرقة القلب في [الاحترام](٣) ، ولهذا كان عمر بن الخطاب رضياللهعنه يدور على الحجّاج بعد قضاء حجّهم بالدرّة ، ويقول : يا أهل اليمن يمنكم ، ويا أهل الشام شامكم ، ويا أهل العراق عراقكم ، فإنه أبقى لحرمة بيت ربكم في قلوبكم. وكذا همّ عمر أن يمنع الناس من كثرة الطواف ؛ خشية أن يأنس الناس بهذا البيت فتزول هيبته من صدورهم.
الثاني : تهيّج الشوق بالمفارقة له ، [لتنبعث](٤) داعية العود ، فإن الله جعل البيت مثابة [للناس ، يثوبون إليه](٥) ، أي : يؤولون ويعودون إليه مرة بعد أخرى ، ولا يقضون منه [وطرا](٦).
وقال بعضهم : [لأن](٧) تكون في بلدك وقلبك مشتاق إلى مكة متعلق بهذا البيت خير لك من أن تكون فيه وأنت متبرم بالمقام وقلبك في بلد
__________________
(١) انظر : التشويق إلى البيت العتيق (ص : ٢٢٤) ، والبحر العميق (١ / ١٦) ، ومنائح الكرم (١ / ٢٣٥) ، وشفاء الغرام (١ / ١٥٩) ، والجامع اللطيف (ص : ١٦٤).
(٢) كذا في الأصل.
(٣) في الأصل : الإضرام. والتصويب من التشويق ، الموضع السابق.
(٤) في الأصل : لتبعث. والتصويب من التشويق ، الموضع السابق.
(٥) زيادة من التشويق ، الموضع السابق.
(٦) في الأصل : وترا. والتصويب من التشويق ، الموضع السابق ، والبحر العميق (١ / ١٦).
(٧) زيادة من التشويق (ص : ٢٢٤).