بسم الله الرّحمن الرّحيم
مقدمة المترجم
ـ ١ ـ
لم يعد اسم اغناطيوس يوليانوقتش كراتشكوفسكى مجهولا فى العالم العربى المعاصر ؛ غير أن الكثيرين من العرب المحدثين ممن عرفوه مؤرخا للأدب العربى القديم والحديث يجهلون اهتمامه بتاريخ الجغرافيا عند العرب. وفى الواقع أن معظم أبحاث هذا العلامة تدور فى مجالات ثلاث هى : الشعر العربى ، وأدب النصارى العرب ، وتاريخ الأدب العربى المعاصر. بيد أن هذا لا يمنع اعتباره متخصصا فى الحضارة الإسلامية بأجمعها ، فقد أسهم فى كل فرع من فروعها بأبحاثه العديدة التى بلغ عدد المطبوع منها وحده أربعمائة وثمان وخمسين. وعندما وافاه أجله المحتوم فى ٢٤ يناير ١٩٥١ عن ثمانية وستين عاما فقد الاتحاد السوفيتى فى شخصه عالما فذا وأكبر مستعرب روسى لعهده.
أما تاريخ حياته إلى أن نال الشهرة كعالم كبير فليس أفضل من أن نسوقه بألفاظه هو. وقد كتب هذه النبذة باللغة العربية وظهرت بمجلة المجمع العلمى العربى بدمشق سنة ١٩٢٧ (المجلد السابع ص ١٢٢ ـ ١٢٦) ، وهى لا تخلو من الطرافة. قال :
«ولدت فى ٤ آذار (٤ / ١٦ مارس) سنة ١٨٨٣ فى ويلنا (Vilna) عاصمة ليتوانية (Lithuania) القديمة ، وكان والدى رئيسا لمدرسة المعلمين فيها. ولكن لم يمض من عمرى سنتان حتى ارتحلت عائلتى إلى بلاد ماوراء النهر ، وعين والدى رئيسا لمدرسة المعلمين فى تاشكند (Tashkent) ، وبعد مدة وجيزة عين ناظرا عاما للمدارس فى آسيا الوسطى. وابتدأت أذكر نفسى طفلا صغيرا فى تاشكند وأول لغة تكلمتها لغة أوزبكية لأن حاضنتى كانت أوزبكية الأصل. وكانت تأثراتى الأولى فى صغرى بما وقعت عينى عليه من المساجد والأسواق الشرقية وتنوع الأمم والطوائف واختلاف الألبسة. وكان لهذه التأثيرات وقع شديد فى نفسى أيام طفولتى. وأكبر ظنى أنى غدوت ميالا إلى الشرق وإن كنت غير مدرك هذا الميل الغريزى.
وفى سنة ١٨٨٨ رجع والدى إلى ويلنا وصار مديرا للمكتبة العمومية ورئيسا فى لجنة البحث عن الآثار التاريخية القديمة ، ولم يزل عاملا فيها إلى أن فاجأته المنية رحمه الله فى سنة ١٩٠٣. وكنت فى