فقد بعث بها إلى طرخان حاكم الخزر (٩٤) وهى ترتبط برحلة سلّام الترجمان المشهورة إلى سد يأجوج ومأجوج التى سيأتى ذكرها بالتفصيل عند الكلام على الرحلات إلى شرقى العالم الإسلامى.
ومن أهم الحوادث التى ساعدت على توسيع مدارك العرب عن أقطار الغرب فى عهد الواثق كان بلا شك حادث افتكاك مسلم بن أبى مسلم الجرمى (٩٥) من أسر البيزنطيين. ولسنا على بينة من حقيقة اسمه إذ يمكن قراءته الحزمى كما حدث أحيانا ، أو بصيغ أخرى. أما عن شخصه فلا يعرف سوى هذه القصة المتعلقة بإطلاق سراحه والتى حفظها لنا المسعودى ، وهى تمثل أهمية ليست بالضئيلة :
«الفداء الثالث فداء خاقان فى خلافة الواثق باللامس فى المحرم سنة ٢٣١ (الموافق سبتمبر ٨٤٥) .... وفيه خرج مسلم بن أبى مسلم الجرمىّ وكان ذا معل فى الثغور ومعرفة بأهل الروم وأرضها وله مصنفات فى أخبار الروم وملوكهم وذوى المراتب منهم وبلادهم وطرقها ومسالكها وأوقات الغزو إليها والغارات عليها ومن جاورهم من الممالك من برجان والإبر والبرغر والصقالبة والخزر وغيرهم وحضر هذا الفداء مع خاقان رجل يكنى أبا رملة من قبل أحمد بن أبى دؤاد قاضى القضاة يمتحن الأسارى وقت المفاداة فمن قال منهم بخلق التّلاوة ونفى الرؤية فودى به وأحسن إليه ومن أبى ترك بأرض الروم فاختار جماعة من الأسارى الرجوع إلى أرض النصرانية على القول بذلك وأبى مسلم الانقياد إلى ذلك فنالته محن ومهانة إلى أن تخلص» (٩٦).
ولا تخلو التفصيلات الأخيرة من طرافة بالنسبة للتاريخ الفكرى للخلافة ، فهى دليل على أن المذهب العقلى للمعتزلة كان لا يزال سائدا إلى ذلك العهد ومتمتعا بنفس القبول الذى تمتع به فيما بعد مذهب أهل السنة (٩٧). غير أن الأهمية الجوهرية بالنسبة لنا فى هذه القصة هو القول بوجود مصنفات للجرمى ؛ وبالطبع لو كان قد تبقى لنا شىء منها لاستطعنا بلا ريب أن نصدر الحكم على كثير من المسائل المتصلة بتطور المعلومات الجغرافية عند العرب ، إلا أننا مع الأسف لا نعرف فى الحقيقة من جميع مصنفاته سوى شذرة واحدة لا يعتور الشك صحة نسبتها إلى الجرمى وهى المتعلقة بتعداد الولايات البيزنطية Themata)) (١)وما يرتبط بذلك من وصف نظم تلك الدولة. وقد حفظ لنا هذه القطعة ابن خرداذبه ويرجع تاريخها إلى عام ٨٨٥ ه (٩٨). وأغلب الظن أن المعلومات التى يوردها قدامة (٩٩) عن بيزنطة ترجع إلى الجرمى خاصة وأنه توجد من بينها إشارات إلى أوقات الإغارة على آسيا الصغرى (١٠٠) الأمر الذى نوه إليه المسعودى عند كلامه على مصنفات الجرمى. ومسألة الجزم بوجود مقتطفات وشذرات لدى المؤلفين المتأخرين نقلوها عن مصادر قديمة مفقودة أو مجهولة العناوين من أصعب المسائل وأعسرها ؛ وقد أحسن بعض العلماء ، خاصة ماركفارت Markwart ، بميل شديد إلى أن ينسبوا إلى مسلم الجرمى جميع ما أورده الجغرافيون العرب بصدد الموضوعات التى ذكرها المسعودى عند كلامه على الجرمى (١٠١). والأمر الوحيد
__________________
(*) أو البنود كما يسميها العرب. (المترجم)