وفيما يتعلق بالتجارة عن طريق البحر مع الهند وأرخبيل الملايو والصين فإن العرب قد ساروا على التقاليد القديمة لمنطقة جنوبى العراق وسواحل الخليج الفارسى فى العصر الساسانى. ويروى أنه عندما سقطت ميناء الأبلة قرب البصرة فى يد العرب فى خلافة عمر وجد بها المسلمون سفنا صينية (١٢٩). وواضح أن الفرس ظلوا حتى فى عهد السيادة العربية أكثر العناصر جسارة فى ركوب البحر ؛ ومن المعلوم منذ عهد طويل أن المستعمرة العربية الفارسية بميناء كانتون Canton بالصين بلغت حدا من القوة استطاعت معه فى عام ٧٥٨ أن تضع يدها على المدينة وتنهبها وتغادرها عن طريق البحر (١٣٠). وفى الآونة الأخيرة حالف التوفيق العلامة البولندى لفيتسكى Lewicki فعثر على شواهد تثبت زيارة بعض العرب للصين فى ذلك العهد (١٣١) ، وذلك فى تاريخ طائفة الإباضية من الخوارج ؛ ومصدر هذه الشواهد مصنف لأبى سفيان محبوب العبدى المتوفى فى النصف الأول من القرن التاسع (١٣٢) جاء فيه أن أحد شيوخ تلك الطائفة وهو أبو عبيدة عبد الله بن القاسم من أهل عمان كان عالما كبيرا لعصره وتاجرا معروفا اشتغل بتجارة المر. وكان قد سافر بتجارة له إلى الصين ؛ ولكن تاريخ الرحلة غير معروف لنا ولو أنه لاعتبارات شتى يمكن القول بأنها حدثت دون شك قبل نهب كانتون السالف الذكر فى عام ٧٥٨ (١٣٣). أما التاجر الإباضى الآخر فهو النضر بن ميمون الذى عاش بالبصرة على ما يظهر على حدود القرنين الثامن والتاسع ومن هناك سافر إلى الصين ؛ ولكن ليست لدينا أية تفاصيل عن رحلته هذه (١٣٤). وعلى أية حال فإنه يمكن اعتبار هؤلاء التجار الإباضيين بمثابة ممهدى الطريق للتاجر المعروف سليمان ولابن وهب اللذين سنلتقى بهما فى رواية أبى زيد السيراقى التى دونت بعد قرن من ذلك.
يتضح لنا مما مر أن العرب قد جمعوا عن بلدان الشرق الأخرى مادة وجيزة منذ ذلك العهد المبكر السابق للقرن التاسع معتمدين فى ذلك على روايات لشخصيات عربية ؛ ويروى لنا ابن رسته حقائق عن الهند ينقلها عن شخص غير معروف لنا يدعوه أبا عبد الله محمد بن إسحاق ، وكان قد أمضى عامين من حياته فى قمار (أى خميرKhmer ، وهو الاسم القديم لكمبوديا) (١٣٥) وحدث هذا على أغلب الظن الظن فى بداية القرن التاسع (١٣٦). ويعتبره بارتولد المصدر الأساسى عن الهند لا بالنسبة لابن رسته وحده ، وهو الذى نقل عنه فقرات معينة ، بل أيضا «بالنسبة لابن خرداذبه وغيره من الجغرافيين العرب» (١٣٧). وهذا لا يعنى بالطبع أن مادتهم فيما يتعلق بتلك البلاد قد اقتصرت على أبى عبد الله وحده (١٣٨) ، إذ يلوح أن مثل هذه الحالات لم تكن نادرة.
وإلى نفس هذا العهد المبكر ترجع أول معرفة للعرب بالطريق البرى الذى يخترق آسيا الوسطى إلى الصين ، وذلك اعتمادا على الوصف الذى يقدمه تميم بن بحر المطوعى. وكما يتبين من نسبته فإنه لم يكن تاجرا أو عالما بل انتمى إلى فئة المتطوعة من جنود الثغور الإسلامية الذين كثر عددهم على تخوم الخلافة خاصة فى آسيا الوسطى. وقد توجه تميم إلى خاقان الترك التغزغز بمهمة دبلوماسية على ما يظهر ؛ ويرجع