الزنج عام ٢٥٧ ه ـ ٨٧٠ استقر رأيه على القيام برحلة طويلة من سيراف إلى الصين ؛ وقد خالفه التوفيق فوصل إلى عاصمة الصين وكانت فى ذلك الوقت خمدان Khumdan (أو سينانفوSinanfu) ولوصفه أهمية خاصة إذ بعد قليل من ذلك فى عام ٢٦٤ ه ـ ٨٧٨ تم القضاء على المستعمرة العربية بكانتون نتيجة للحروب الداخلية فانقطعت بذلك الصلات المباشرة بين العرب والصين (١٨٣) وأصبحت آخر ميناء تصلها السفن العربية ميناء كله أو كله بره بشبه جزيرة الملايو (١٨٤) ؛ ولم يتجدد الاتصال بالصين إلا فى النصف الثانى من القرن الثالث عشر (١٨٥).
وقصص سليمان وابن وهب قد دونها فى بداية القرن العاشر أبو زيد الحسن السيرافى (١٨٦) من أهل البصرة ، وهو الذى أعطاها شكلها المعروف لدينا الآن. والسيرافى نفسه لم يكن رحالة ولا عالما بل كان على ما يظهر من المغرمين بأمثال هذه القصص التى كان من السهل جمع محصول وافر منها سواء فى مسقط رأسه سيراف أو فى البصرة. وقد التقى به المسعودى عام ٣٠٣ ه ـ ٩١٦ ؛ ورغما عن الخلط فى الأسماء فإن جميع الدلائل تشير إلى أن المسعودى قد أخذ عنه رواية ابن وهب (١٨٧).
ومسودة أبى زيد السيرافى وصلتنا فى مخطوطة فريدة موجودة بباريس أضاف إليها النساخ مقدمة لا علاقة لها البتة بمحتويات الكتاب ؛ وزاد المشكلة تعقيدا أن المخطوطة تحمل عنوانا غير مناسب على الإطلاق هو «سلسلة التواريخ». وقد اجتذب هذا الأثر أنظار العلماء منذ عهد مبكر فظهرت له منذ عام ١٧١٨ ترجمة فرنسية لم تلبث أن أثارت الريبة لدى البعض والاشتباه فى التدليس لدى آخرين. ويعود الفضل فى دراسة هذه المجموعة من القصص إلى رينو ، كما درسها فى القرن العشرين فيران (١) الذى يدين له العلم بوضع أساس متين لدراسة الرحلات البحرية التى قام بها العرب فى بحر المشرق.
وقد سارت هذه القصص البحرية فى سلسلة متصلة الحلقات فأبرزت لنا فى فرع من فروعها «أسفار السندباد» التى طبقت شهرتها الآفاق والتى وجدت كمجموعة مستقلة قائمة بذاتها قبل أن تدخل ضمن مجموعة «ألف ليلة وليلة» الضخمة (١٨٨) ، وقد أثبت العلم أخيرا أنه من الخطل اعتبارها محض أسطورة خرافية تدور حوادثها خارج حدود الزمان والمكان ؛ إذ استبان من أبحاث رينو ودى خويه وفيران أن «أسفار السندباد» انبعثت فى نفس الوسط الذى نشأت فيه قصص التاجر سليمان وفى نفس مواضعها أيضا أى سيراف والبصرة وبغداد ، بل وفى نفس العصر تقريبا أى حوالى عام ٩٠٠ (١٨٩). ويتفق فيران وكازانوفاCasanova فى أنها ترتفع إلى زمن أبعد بكثير من زمن القصص الأخرى لأنه لا يرد فيها ذكر للصين (١٩٠) مما يستدل منه أن تلك البلاد إما كانت غير معروفة البتة أو كانت معروفة قليلا فى العصر الذى تشكلت فيه الصورة الأولى «لأسفار السندباد» (١٩١) ، ويرجع كازانوفا تاريخها بالتحديد إلى عصر الرشيد (١٩٢) ، أما مسرح حوادثها فهو الهند وأرخبيل الملايو ؛ وقد أمكن تحديد أماكن بعض حوادثها بالكثير من الدقة. هذا وكان لأسفار السندباد تأثير واضح على سير القديسين فى أوائل العصور الوسطى
__________________
(*) آخر دراسة لهذه القصص قام بها المستشرق الفرنسى سوفاجيه(G.Sauvaget (١٩٤٨. (المترجم)