الفصل الخامس
المصنفات العامة فى الجغرافيا فى القرن التاسع
الجغرافيا الإقليمية فى القرنين التاسع والعاشر
يعتبر ابن خرداذبه عادة أول مؤلف يصلنا عنه مصنف فى الجغرافيا الوصفية. وكما تبين لنا منذ برهة فإن هذا القول ليس صحيحا كل الصحة ، فقد وجدت مصنفات أخرى مماثلة ترجع إلى تلك الفترة بل وإلى فترة سابقة عليها ؛ وهذه المصنفات الأخيرة معروفة لنا لا من أسمائها فحسب بل ومن مقتطفات وقطع كبيرة حفظها لنا المؤلفون المتأخرون. غير أن ذلك القول يمكن اعتباره صادقا بمعنى أننا نلتقى لدى ابن خرداذبه بأول مصنف كامل على الرغم من أنه وصل إلينا فى رواية ملخصة عملت فى عصور متأخرة ولا تمثل المسودة الأصلية للمؤلف ؛ بيد أن هذا لا يمنعنا من الحكم على محتويات المصنف. ويلوح أن هذا المصنف الذى كان يحمل العنوان التقليدى «كتاب المسالك والممالك» لم يكن بالنسبة للمؤلف سوى حدث ثانوى عابر فى مجال نشاطه الأدبى ، لأنه لم يتحكم فى ظهوره نزعته الأدبية بل طبيعة المنصب الذى كان يشغله فى الدولة.
وأبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن خرداذبه فارسى الأصل وكان جده مجوسيا كما هو واضح من الاسم الذى حمله المؤلف. وقد حاول بعض العلماء فى الآونة الأخيرة تفضيل صيغة خرّداذبه (١) وهى محاولة لا غناء فيها على الإطلاق إذ كلا الصيغتين من أسماء تمجيد الخالق ولهما اشتقاق واضح فى اللغة الفارسية الوسيطة. والصيغة الأولى للفظ وهى خرداذبه معناها «خرداد أفضل (٢)» ، أما الثانية وهى خرّداذبه فمعناها «خلقه خرّ أفضل» (٣). وهكذا فإن كلا الإسمين صحيح وليس ثمة حاجة لاطراح الأول الذى ثبت على ممر السنين منذ أن تعرف العلم الأوروبى على المؤلف. وفى العصور المتأخرة استعمل فى اللغة العربية لفظ خردادى لتسمية نوع من البلور الجبلى والأوانى المصنوعة منه (٤). وكان والد المؤلف حاكما على طبرستان جنوبى بحر قزوين فى أوائل القرن التاسع وذاع صيته بسبب التوفيق الذى أحرزه فى إخضاع بعض مناطق الديلم التى لم تدخل ضمن أراضى الخلافة الإسلامية إلى زمانه. أما المؤلف فقد حصل على تعليم جيد وكان لوالده فضل كبير فى دراسته الموسيقى فتتلمذ ردحا من الزمن على المغنى والموسيقى المشهور إسحق الموصلى (٥) ؛ غير أن مكانة أسرته حددت مستقبله بصورة جازمة فأصبح مقربا من بلاط الخليفة المعتمد (٢٥٦ ه ـ ٢٧٩ ه ـ ٨٧٠ ـ ٨٩٢) بسامرا ومن ندمائه أصحاب النفوذ. وجميع مؤلفاته