البعض ؛ فمن ناحية يقابلنا عرض جاف للمادة الرسمية ولكنه يمتاز بأهمية كبرى ، ومن ناحية أخرى نلتقى بمجموعة من الغرائب Mirabilia الجغرافية المختلفة. ولا تحس من جانب المؤلف أية محاولة لصهر هذه المادة وصبها فى قالب متجانس ، فضلا عن أن الكتاب يفتقر إلى الكثير من ناحية التبويب. وقد كان بمقدور المؤلف بلا شك الاطلاع على الوثائق الرسمية ، أى الأرشيف الحكومى ؛ ويشير إلى هذا المقدسى ، بل والمؤلف نفسه عند الكلام على مصادره. وقد كان لاهتمام المؤلف بالرحلات أن حفظت لنا مادة مفيدة خاصة فيما يتعلق بوصف الطرق فى عهود مبكرة ، الأمر الذى سبق الكلام عليه فى فصل آخر. ولا شك أن عدم التناسق فى مادة هذا الكتاب هو المسئول عن التناقض فى حكم الجغرافيين العرب المتأخرين عليه (٢٣) ، غير أن تأثيره على الأدب الجغرافى التالى كان كبيرا جدا فأخذ عنه من المؤلفين المتقدمين اليعقوبى وابن رسته وابن حوقل والمقدسى والجيهانى والمسعودى وذلك عن مخطوطة ثالثة هى أفضل المخطوطات جميعا (٢٤). كما أن العناية به ظلت قوية حتى بين المتأخرين فعرفه الإدريسى وابن خلدون كما عرفه جيدا الجغرافيون الفرس ، سواء المتقدمون منهم مثل المؤلف المجهول لكتاب «حدود العالم» أو المتأخرون مثل حمد الله قزوينى وميرخوند وخوندمير. ولم يكن باستطاعة ابن خرداذبه أن يؤسس مدرسة جديدة ، غير أن المادة التى جمعها كانت بمثابة الأساس المتين بالنسبة لكثيرين. وقد عرف كتابه فى الدوائر العلمية الأوروبية فى مخطوطتين منذ الستينيات من القرن الماضى وأصبح فى متناول الأيدى بفضل الطبعة العلمية التى استخدم فى إخراجها مخطوطة ثالثة أفضل من المخطوطتين الأولتين وظهرت مع ترجمة فرنسية لدى خويه De Goeje فى عام ١٨٨٩. وقد اجتذب اهتمام العلماء الروس بصورة خاصة وصفة للطرق التى كان يسلكها الروس ، وقد ظهرت فى السنوات السبعينيات من القرن الماضى (٢٥) أبحاث هامة فى هذا للمستشرقين كونيك Kunik وروزن Rosen ، كما ندين بتحليل عام للكتاب للمؤرخ الكبير بارتولد (٢٦).
وإلى طبقة موظفى الدولة ينتمى معاصر لابن خرداذبه هو الجغرافى والمؤرخ اليعقوبى ، واسمه الكامل أبو العباس أحمد بن يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح الكاتب العباسى اليعقوبى ؛ ويرد اسمه فى المصادر بصيغ مختلفة من هذا النسب الطويل فهو مرة أحمد الكاتب وأخرى أحمد بن يعقوب وتارة ابن واضح وطورا اليعقوبى ؛ وجده الأعلى واضح كان من موالى الخليفة المنصور وشغل يوما وظيفة الحاكم على أرمينيا ومصر ودفع حياته ثمنا لميوله الشيعية ؛ وقد ظلت هذه الميول الشيعية فى الأسرة إلى عهد مؤلفنا. وكان جده ووالده أيضا من كبار عمال البريد ، ولا يعرف على وجه التحديد ما إذا شغل اليعقوبى نفسه بعض المناصب الحكومية ولكن يمكن افتراض هذا من أسفاره العديدة. وعلى الرغم من أن مولده ببغداد إلا أنه غادرها مبكرا فعاش طويلا بأرمينيا وخراسان وزار الهند وفلسطين وتمتع برعاية الطولونيين أثناء مقامه الطويل بمصر والمغرب. وكتابه فى الجغرافيا بعنوان «كتاب البلدان» معروف إلى يومنا هذا