مدينة أصفهان. كما لا يخلو من الأهمية أيضا كلامه عن مكة والمدينة ووصفه للأنهار ولنواحى طبرستان ووصف الطرق الوارد فى آخر الكتاب. ويلى هذا استطرادات يحس منها أنها إضافات عارضة ليس هناك ما يربطها على الدوام بالموضوعات الجغرافية (٥٦).
أما من ناحية العرض والأسلوب فكتاب ابن رسته ينضم إلى ذلك النوع من المؤلفات المفضلة عند جمهرة القراء والتى قصد بها على ما يظهر كتبة الدواوين ، ولكن يتضح لديه الميل الأدبى أكثر مما لدى ابن خرداذبه. وأحيانا يقتصر العرض على سرد الأسماء ، ولكن يحس لدى المؤلف الميل إلى القصص فتوجد لديه مثلا قصة سلام الترجمان التى أسقطها الناشر لأنها تكرر النص المعروف لدى ابن خرداذبه.
وإذا كان ابن رسته فارسيا فقد كان قدامة بن جعفر أراميا فهو ينتمى إلى أسرة مسيحية من عمال الدولة أقامت بالبصرة وكانت مقربة إلى العباسيين ؛ ولم يعتنق قدامة الإسلام إلا بعد إلحاح شديد من جانب الخليفة المكتفى (٢٨٩ ه ـ ٢٩٥ ه ـ ٩٠٢ ـ ٩٠٨) ، وكان من جراء ذلك أن انفسح أمامه الطريق إلى المناصب العليا فشغل فى أواخر أيام حياته منصب صاحب البريد. ولم يكن هذا هو الشبه الوحيد الذى يربطه بابن خرداذبه بل إن جميع نشاطه وميوله الأدبية تذكرنا بذلك المؤلف ، فهو قد جمع بين العمل الإدارى والاهتمام بالمسائل الأدبية البحتة وترك لنا بضعة مؤلفات. وفى إحدى هذه المؤلفات يقدم لنا نظرية جريئة فى الشعر على طراز ما فعله ابن المعتز ، ينعكس فيها تأثير الفلسفة اليونانية التى من الجائز أن قدامة كان على معرفة بها وفقا لتقاليد أسرته. وتاريخ وفاته غير معروف على وجه التحديد ويتأرجح بين عامى ٣١٠ ه ـ ٩٢٢ و ٣٣٧ ه ـ ٩٤٨ (٥٧) ، ومن المحتمل أن يكون وسطا بين هذين التاريخين.
وليس لقدامة مصنف جغرافى بالمعنى الدقيق بل لديه مدخل من أجل عمال الدولة هو «كتاب الخراج وصنعة الكتابة». وليس فى الاستطاعة الحكم عليه ككل ، وقد تم تأليفه على ما يبدو حوالى عام ٣١٦ ه ـ ٩٢٨ (٥٨) ، وكان يتكون من ثمانية أقسام لم يصلنا منها سوى أربعة فقط تمثل الجزء الثانى من الكتاب ، وقد نشر من بينها الشطر الذى يتعلق بالخراج. أضف إلى هذا أن حالة المخطوطة لا تبعث كثيرا على الرضى فقد وجدت طريقها إليها من حين لآخر ملاحظات توضيحية أضافها إليها النساخ (٥٩). والجزء الذى فى متناول الأيدى الآن يذكّر كثيرا بكتاب ابن خرداذبه فقد انصب اهتمامه الأساسى على وصف طرق البريد والولايات مع إيراد معلومات هامة عن تقسيم الأراضى وجباية الخراج ؛ كما يوجد به استطراد فى تاريخ الفتوحات الإسلامية يستند على البلاذرى. وترد فى صلب العرض معلومات من محيط الجغرافيا الرياضية وأوصاف الجبال والأنهار والأقاليم السبعة كما يولى اهتماما كبيرا لجيران العالم الإسلامى. وعلى العموم فمن الأفضل اعتبار القسم المطبوع من كتاب قدامة بمثابة تتمة هامة لابن خرداذبه إذ كثيرا ما يساعد فى تحقيق نقاط عديدة فيه لأنه يعتمد فى أغلب الأحوال