مجلدا لابن عساكر (توفى عام ٥٧١ ه ـ ١١٧٦) ، خاصة وأنه يوجد فى طبعة لا تبعث كثيرا على الرضى.
هذا النوع من تاريخ المدن الذى يتضح فيه الميل إلى وصف خططها قد نال انتشارا واسعا فى الأدب العربى بحيث لا تكاد توجد مدينة كبرى فى العالم العربى إلا ولها مؤرخها من هذا النوع. وبعض هذه المؤلفات يمثل أحيانا أهمية خاصة من وجهة نظر الجغرافيا التاريخية فى أوسع مدلولها ويصدق هذا بصورة خاصة على «تاريخ بخارى» للنرشخى (توفى عام ٣٤٨ ه ـ ٩٥٩) (٦٧). وقد كتب هذا المصنف بأسلوب لا يخلو من الصنعة ، وقدمه مؤلفه إلى نوح بن نصر السامانى حوالى عام ٩٤٣ ثم ترجم إلى الفارسية فى القرن الثانى عشر ، وهى التى وصلتنا وذلك فى صورة معدلة ترجع إلى أزمنة متأخرة. هذا وقد قدر مؤرخو تركستان قيمته منذ عهد طويل وأخضعوه لدراسة منظمة ، وفى الحقيقة أن التنقيحات والاختصارات والزيادات التى لحقت بهذا الكتاب (٦٨) تبرر بالكاد نسبته إلى النرشخى ، ولكن بالرغم من هذا الشكل الذى آل إليه أخيرا فإنه يحتفظ بالكثير من أخبار بلاد ما وراء النهر قبل الإسلام وفى فترة الفتوحات العربية. كما لا تخلو من قيمة المعلومات ذات الطابع الجغرافى التى يوردها عن المناطق المأهولة حول بخارا والمبانى والمحاصيل وأساليب الحياة المتخلفة عن العهد السابق لدخول الإسلام إلى تركستان (٦٩).
ويتميز بنفس هذه الدرجة من الطرافة كتاب مفقود هو «التاريخ فى أخبار ولاة خراسان» لعلى السلامى الذى يرجع تأليفه إلى حوالى عام ٣٤٤ ه ـ ٩٥٥ ، وقد أفاد منه كثيرا المؤرخون المتأخرون مثل كرديزى وابن خلكان ، وعلى الأخص ابن الأثير الذى كان هذا الكتاب يمثل بالنسبة له المصدر الأساسى لتاريخ خراسان وبلاد ما وراء النهر إلى منتصف القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى). ويتضح مما نقلوه عنه أنه كان كتابا حافلا بشتى صور الحياة اليومية والمعلومات الجغرافية.
وقد اكتسب الأدب الجغرافى ـ الطوبوغرافى انتشارا واسعا خاصة فى مصر ، حيث يمكننا أن نتتبع منذ النصف الثانى للقرن التاسع ميلاد نوع فريد مستقل من المصنفات من الطراز المعروف باسم «الخطط» ، أى وصف الأحياء والنواحى. وقد استمر هذا النمط فى سيل لا ينقطع ، بل ليس من العسير أن نتبين آثار مولده لدى أول مؤرخ لمصر وهو ابن عبد الحكم (توفى عام ٢٥٧ ه ـ ٨٧١) (٧٠) فى كتابه «فتوح مصر» ؛ وهو يقع فى خمسة أبواب يفرد الثالث منها لوصف خطط الفسطاط والجيزة والإسكندرية ؛ وقد ورد فى الشطرين الأولين من هذا الباب لفظ «خطة». ويعوز المؤلف الكثير من الموهبة النقدية ، ومع ذلك فيجب تقدير كتابه بوصفه أول مؤلف يصل إلينا من هذا النوع. وأوضح دليل على قيمته أن المؤرخين المتأخرين قد أفادوا منه كثيرا ، ولا يقتصر هذا على المصريين وحدهم من أمثال المقريزى والسيوطى بل تعداه إلى غير المصريين مثل ياقوت. ويرى المقريزى أن أول من ألف فى هذا الباب هو محمد بن يوسف الكندى (توفى عام ٢٥٠ ه ـ ٩٦١) صاحب كتاب «تاريخ ولاة مصر وقضاتها» (٧١) ،