بوصف «المسالك والممالك» وصلتها الوثيقة «بأطلس الإسلام» الذى يمثل قمة الكارتوغرافيا (Cartography) عند العرب ، أى فن رسم المصورات الجغرافية أو الخارطات. هذا وقد اكتسب تبسيط المصنفات وتقريبها إلى الجمهور انتشارا واسعا وتزايد الاهتمام بالجانب الفنى نتيجة للمطالب المتزايدة لجمهرة المثقفين ، كما تكيف تبعا لهذا وصف الرحلات فأضحى أكثر تنوعا فى منهجه. ويمكن القول بوجه عام بأن القرن العاشر قد عمل على تدعيم الأنماط والفنون المذكورة للمصنفات الجغرافية. ومنذ القرن الحادى عشر ، وعلى الأخص فى القرن الثانى عشر ، انضمت إليها شيئا فشيئا مصادر من نوع جديد ـ أعنى المعاجم الجغرافية والأوصاف العامة لجميع العالم سمائه وأرضه ؛ وهى ضروب من الكوزموغرافيا فريدة فى نوعها. وقد أفردت للجغرافيا مكانة بارزة فى الموسوعات التى صنفت بمصر أيام المماليك بحيث تركت أحيانا أثرها على الكتاب بأجمعه. بهذا ينتهى الطور الخلّاق فى الأدب الجغرافى العربى الذى أصابه العقم بعد ذلك فلم ينتج أى صور جديدة بل اكتفى بتقليد الأنماط السابقة فيما عدا بعض التعديلات فى مضمونها ليتفق مع مقتضيات كل عصر. ورغم هذا فإنه لم يتضاءل من ناحية الكم حتى فى عهد السيادة التركية على البلاد العربية.
لقد قدر العلم الأوروبى منذ البداية ميزات الأدب الجغرافى العربى ؛ وإذا ما حدث وأن وجّه إلى المستعربين ـ شأنهم فى هذا شأن جميع المتخصصين ـ تهمة التحيز لموضوع دراستهم ، فإنه لمن الدلالة الخاصة فى هذا الصدد مقارنة موقف الغربيين من المؤرخين العرب ، الذين كانوا فى كثير من الأحايين جغرافيين أيضا. فمنذ بداية الثمانينيات من القرن التاسع عشر ، أى عندما كان ذلك الأدب أبعد من أن يكون معروفا فى حجمه الحالى ، كتب مؤرخ الحروب الصليبية پروتز (Prutz) يقول : «ليس فى وسع الأدب الأوروبى لذلك العهد أن يقدم مثالا يفضل مؤلفاتهم ، ويكفى فى هذا الشأن تصفح ما خلفه المؤرخون العرب ومقارنة ذلك بأحسن ما أنتجه فن التاريخ فى أوروبا ليبدو لأول وهلة ودون تردد أين يكمن الفهم والإحساس التاريخى والوعى السياسى والذوق فى الشكل والفن فى العرض» (٩) :
وسننتهى إلى نتيجة ليست بأقل طرافة من هذه إذا مما قارنا مجهود العرب فى مجال الجغرافيا العلمية بما خلفه السريان السابقون لهم والذين أقاموا أحيانا فى نفس المناطق التى احتلها العرب فيما بعد. فهؤلاء أيضا قد نشأت الجغرافيا عندهم معتمدة على أساس المصنفات اليونانية التى عرفوها فى عهد مبكر ، وبارديصان (١٠) المتوفى حوالى عام ٢٢٢ من الميلاد يتحدث عن تقسيم الأرض إلى سبعة أقاليم ، كما تمت حوالى عام ٥٥٥ م ترجمة كتاب بطلميوس المعروف باسم «اسكاريفوس تيس أو يكومينيس» الذى ربما لم يخل من تأثير على العرب. وقد أضيف إليه ذيل هام ولكن التطور لم يتعد ذلك (١١). بل إن أكبر كمية من المعلومات فى الجغرافيا الفلكية للعهد السابق للعرب والتى حفظها لنا فى القرن السابع يعقوب الرهاوى (١٢) فى مصنفه «هيكساميرون» Hexameron تكاد تعتمد أساسا على بطلميوس وذلك إلى جانب الثقة المطلقة فى النظريات العلمية