فى آسيا الوسطى التى عرفها جيدا ؛ أما عن طريق البحر فمن الثابت أن العرب لم يبلغوا اليابان.
وفيما يتعلق بأفريقيا فإن أول مرة يظفر فيها جوف أفريقيا بوصف مفصل كان ذلك فى مؤلفاتهم ؛ وقد استمرت معلوماتهم تمثل القول الفصل فى هذا الصدد لحين ظهور المستكشفين الجغرافيين الأوروبيين فى القرن التاسع عشر. هذا وقد أثبت البحث العلمى المعاصر أهمية المعلومات التى جمعوها حتى عن بلاد نائية مثل أرخبيل الملايو واسكنديناوه وجنوب شرقى أوروبا.
والعيب الأساسى للأدب الجغرافى العربى هو فى خضوعه للنظريات العلمية الموروثة عن الأوائل بالرغم من أن تجارب العرب العملية كثيرا ما أدت إلى استكمال تلك النظريات وتعديلها بل وحتى إلى صرف النظر عنها ؛ أضف إلى هذا أن نظرياتهم العلمية لم ترق إلى مستوى تجربتهم العملية. فهم على غرار اليونان قد ظنوا أن المعمور من الأرض هو ربعها فقط وذلك فى النصف الشمالى منها وهو ما عرف باسم «الربع المعمور» ؛ كما اعتنقوا الرأى القائل باستحالة الحياة فى البلاد الشديدة الحرارة أو القارسة البرودة (١٧). وإذا كان اعتناق اليونان أو أوروبا الوسيطة (١٨) لهذه النظرية الأخيرة له ما يبرره فى عدم إلمامهم بالبلاد الواقعة إلى الجنوب من خط الاستواء فإن العرب بفضل رحلاتهم البحرية قد عرفوا جيدا تلك الجهات من أفريقيا مثل زنزبار ومدغشقر حيث رأوا رأى العين عددا من المراكز المأهولة ؛ وبالرغم من هذا فقد استمرت هذه النظرية العقيمة عائشة بين ظهرانيهم دون ما أدنى تعديل. وهذا الإصرار نفسه قد ظهر بوضوح فى تمسكهم بالرأى القائل بوجود سلسلة جبلية تنتظم الأرض من الغرب إلى الشرق (١٩) ، بالرغم من أن هذه الفكرة تتعارض تعارضا تاما مع ما شاهدوه من واقع الأحوال (٢٠). وتحت تأثير الأفكار المسيحية الأولى لم يكن من النادر أن تقابلنا لديهم الفكرة القائلة بأن الأنهار الكبرى تنبع من الفردوس على الرغم من أنه كثيرا ما كانت هذه الأنهار معروفة لديهم من منبعها إلى مصبها تقريبا (٢١).
وثمت تأثير عاق تقدم العلوم لوقت ما كان نظرية تقسيم المعمورة إلى سبعة أقاليم ، وهى أحزمة عريضة مرتبة من الجنوب إلى الشمال فى موازاة خط الاستواء ومبتدئه منه على وجه التقريب (٢٢). هذا التقسيم وضعه اليونان على أساس الطول النسبى للنهار والليل أو ميل الشمس على خط الاستواء (باليونانية «كليما» Klima وجمعها «كليماتا» Kimata) ؛ وكانت عروض الأقاليم تتفاوت بحيث يختلف أطول أيام السنة بمقدار نصف ساعة من إقليم إلى آخر (٢٣). هذا وقد اكتسبت نظرية «الأقاليم» انتشارا واسعا سواء فى الشرق العربى أو أوروبا الوسيطة ، غير أن الوحدة التامة فى التقسيم لم تراع ، كما وأن التباين فى عروض الأقاليم بلغ حدا ملحوظا نتيجة لعدم الاتفاق حول درجات العرض الفاصلة بين كل إقليم والذى يليه (٢٤). هذا البون الشاسع بين النظرية والواقع قد ترك أثره فى الكارتوغرافيا العربية أيضا ، فهى وإن تمكنت فى القرن العاشر ، أى عصر ازدهار علم الجغرافيا ،