«............... |
|
ولست والله حقا عارفا نسبى |
إذ لست أعرف جدى حق معرفة |
|
وكيف أعرف جدى إذ جهلت أبى |
إنى أبو لهب شيخ بلا أدب |
|
نعم ووالدتى حمالة الحطب» |
وكنيته أبو الريحان غير واضحة بدورها (٧) ، كما وأن نسبه مجهول تماما. أما اسمه محمد بن أحمد فلا يفاد منه شىء البتة ، بل جرت العادة على استعمال هذه الأسماء عندما تكون الأسماء الحقيقية غير معروفة. ومهما يكن مدلول أبيات الشعر هذه فإن لغته الوطنية كانت الخوارزمية (٨) ، وتأتّى له أن يتلقى تعليما جيدا دعمته أسفاره العديدة وتجواله وتعطشه الشديد إلى المعرفة الذى ألهب مشاعره منذ سن مبكرة. ومندسن مبكرة أيضا اتجه اهتمامه إلى نواح من العلم لم تكن معهودة للدارسين فى العصور الوسطى الإسلامية ، ويروى أنه عاش بخوارزم إذ ذاك عالم يونانى فكان يختلف إليه البيرونى حاملا أنواع النبات والبذور والثمار يسأله عن أسمائها اليونانية ويدوّن ذلك (٩). وقد لفت وهو لا يزال شابا أنظار رعاة الأدب فى دولة بنى عراق المحلية الصغيرة ، ولكنه لم يلبث أن اضطر عقب إحدى الانقلابات إلى مغادرة وطنه وهو فى سن العشرين ، فرحل إلى سواحل بحر قزوين. وفى جرجان التقى بأكبر أساتذته وهو الطبيب والفلكى المسيحى أبو سهل عيسى المسيحى ؛ وهناك أيضا تمتع بعطف أمير جرجان وطبرستان قابوس بن وشمكير الزيارى (١٠) ، الذى اكتسب بدوره بعض الشهرة كناثر وآخذ فى العلم بطرف (١١) ؛ وإليه رفع البيرونى أول مصنفاته الكبرى وهو «الآثار الباقية». ويبدو أن ميل هذا الحاكم إلى الطغيان جعل الحياة عسيرة ببلاطه ، الأمر الذى تردد صداه فى أشعار متأخرة للبيرونى. وإلى هذا الوقت المبكر من حياته العلمية ترجع أيضا الرسائل التى تبادلها مع معاصره الأصغر منه سنا ابن سينا الذى طبقت شهرته الآفاق فيما بعد ؛ وهى تقف دليلا على عمق معرفته بالفلسفة وعلى حدة مزاجه (١٢). وفى حوالى عام ٤٠٠ ه ـ ١٠١٠ رجع إلى موطنه حيث كانت تتولى مقاليد الحكم أسرة المأمونيين التى ما لبثت أن وجدت نفسها بين شقى الرحى ، تتهددها دولتان قويتان هما دولة ايلكخانات سمرقند ودولة محمود الغرنوى التى كانت تنمو بسرعة متزايدة. ولم يلبث البيرونى أن تقاذفته الدسائس والمؤامرات السياسية ، فلما احتل محمود الغزنوى خوارزم أخذ البيرونى معه إلى غزنة عام ٤٠٨ ه ـ ١٠١٨ بوصفه عنصرا لا يطمأن إليه. ولا تكاد تخلو مصنفانه المتأخرة بأجمعها من الشكوى المرّة لما يلاقيه العلم من سوء التقدير ولمصيره الشخصى الذى انتهى إليه هو نفسه (١٣). وليس فى الاستطاعة النفاذ إلى جوهر شكايته ، فهى بالنسبة لظروف ذلك الزمان كثيرا ما وردت على هيئة إشارات غامضة. ويبدو أن البيرونى ظل طوال ذلك الوقت مراقبا من محمود الذى كان لا يثق فيه ، ومن ثم فقد اضطر البيرونى دائما إلى البقاء إلى جانبه بل ومصاحبته فى حملاته العسكرية دون أن يتمتع بحرية التنقل ، وقد عرف البيرونى فى هذه الفترة شظف العيش ولم تكن الأجهزة والوسائل العلمية فى متناول يده حتى يستطيع متابعة أبحاثه. ورغما عن هذا فقد وضع