بأهميته العلمية القصوى والتنوع الكبير فى فنونه وأنماطه. ففيه تقابلنا الرسالة العلمية فى الفلك والرياضيات ، كما تقابلنا الكتب العملية التى وضعت من أجل عمال الدواوين وجمهرة المسافرين. وهو يقدم متعة ذهنية كبرى إذ نلتقى فيه بنماذج أدبية فنية رائعة ، صيغت بالسجع أحيانا. والمصنفات الموضوعة من أجل جمهرة القراء يتراوح فيها العرض بين الجفاف والصرامة من جهة والإمتاع والحيوية من جهة أخرى ؛ وهنا تبدو مقدرة العرب الفائقة وبراعتهم فى فن القصص. ولقد أثار هذا الأدب اهتماما بالغا بسبب تنوعه وغنى مادته ، فهو تارة علمى وتارة شعبى ، وهو طورا واقعى وأسطورى على السواء ، تكمن فيه المتعة كما تكمن فيه الفائدة ـ لذا فهو يقدم لنا مادة دسمة متعددة الجوانب لا يوجد مثيل لها فى أدب أى شعب معاصر للعرب. وقد أثبت البحث العلمى المعاصر أن مادة الأدب الجغرافى العربى أبعد من أن تكون قد استوفت حقها من الدراسة والاستقصاء حتى فى أيامنا هذه ؛ بل الواقع أنها أخذت الآن فقط تدخل بعض الشىء فى نطاق البحث العلمى المعاصر بصورة أوسع.
٢ ـ تاريخ دراسة الموضوع. المؤلفات ذات الطابع العام. هدف هذا الكتاب
مرت معرفة العلم الأوروبى بالجغرافيا العربية على أطوار مختلفة وبدرجات سرعة متفاوتة وخضعت لتغيرات وفقا للمستوى العام للثقافة ولحالة الاستعراب. وهنا أيضا اختلف مصير كل من الجغرافيا الفلكية والجغرافيا الوصفية. فمنذ القرن الحادى عشر بدأت فى أسبانيا ترجمة المصنفات العربية فى الفلك والرياضيات إلى اللغة اللاتينية ، وسرعان ما أصبحت أسماء الغوريثمى Algorithmi (أى الخوارزمى) والفراغانوس Alfraganus (أى الفرغانى) والباتغنيوس Albategnius (أى البتانى) معروفة لدى الجميع ، بل واشتهرت بهذه الصيغ أكثر مما بأسمائها الشرقية الأصلية. وقد أثبت البحث المعاصر أن هذه الترجمات ليست فى مستوى يتفق ومطالب العلم الحديث ولكنها على أية حال قد ساعدت على تطور العلم فى أوروبا الوسيطة ، وهى المسئولة عن تثبيت الشكل اللاتينى للمصطلحات العلمية العربية التى وجدت طريقها إلى عدد من العلوم ولا زالت مستعملة إلى الآن. وهذه الترجمات لم يكن بوسعها بالطبع إعطاء فكرة عن تطور العلم عند العرب كما لم تقدم صورة تامة عن مجهودات كل عالم فى محيط علمه. ذلك أن الاهتمام بمثل هذه المسائل لم يكن قد نشأ بعد ، فضلا عن أن البحث فيها لا يتأتّى إلا بالتعرف على الأصول العربية نفسها. ومهما يكن من شىء فإن أوروبا قد تعرفت بفضل هذه الترجمات على الجغرافيا الفلكية عند العرب قبل زمن طويل من نشأة علم الاستعراب. والتأثير المباشر لمثل هذه المصنفات على تطور العلم الأورونى قد بدأ مبكرا جدا ، وهو الآن أمر مؤكد متفق عليه من الجميع.