الفصل العاشر
جغرافيو القرنين الحادى عشر والثانى عشر بالمغرب
تكاد جميع المصنفات الجغرافية الكبرى التى تحدثنا عنها حتى الآن ترتبط بمشرق العالم الإسلامى ، وهذا دون ريب لا يعنى أن غرب العالم الإسلامى ، أقصد المغرب والأندلس بالذات ، لم يأخذ بنصيبه فى التطور العام لهذا الأدب ؛ غير أن الأدب الجغرافى فى تلك الأقطار اتخذ صبغة محلية وقلما كان يخرج عن نطاق البلاد التى ظهر فيها ، كما وأنه لم يبرز إلى الوجود مصنفات نالت انتشارا عاما. ويمكن القول بأن التطور الأدبى ربما تأخر بعض الشىء هنا ؛ صحيح إنه يقابلنا حتى فى العهود المبكرة ممثلون ذوو باع طويل فى الجغرافيا الإقليمية مثل الرازى Elmoro Razis أو الرحالة الطريف فى نظرنا ابراهيم بن يعقوب ، غير أنه فقط فى النصف الثانى من القرن الحادى عشر انبعثت مؤلفات معروفة لنا معرفة مباشرة وظفرت بمكانة رفيعة فى المشرق نفسه.
وفى هذه الآونة تعرضت البلاد العربية لغير قليل من الحوادث التى وجهت ضربات قاضية إلى وحدة العالم الإسلامى ، بالرغم من أن تلك الوحدة كانت فى غالب الأحوال ليست سوى فكرة فى أذهان الناس. ففى نحو عام ١٠٥٠ للميلاد تعرض النصف الشرقى من العالم الإسلامى لغارة السلاجقة ، بينما وقعت صقلية بأجمعها وجزء هام من أسانيا بل ومن حين لآخر بعض المواضع على ساحل أفريقيا الشمالى تحت سيطرة المسيحية. وفى نفس ذلك الوقت بدأت تختمر فى أوروبا الفكرة الصليبية وأخذ العالم الإسلامى ينكشف بالتدريج للمسيحيين ؛ كذلك خفّت بعض الشىء حدة العلاقات السياسية بين العالمين ، ولكنها سرعان ما عادت سيرتها الأولى فترة من الزمن إبان حكم السلاجقة والأيوبيين فى خلال صراعهم العنيف ضد الصليبيين. بيد أن جميع هذه الأحداث لم تؤثر فى النظريات الأساسية التى سادت الأدب الجغرافى ، ويمكن فقط أن نلحظ بعض المحاولات إلى الاقتراب من الجغرافيا الفلكية. فمثلا فى نسخة معدلة لمصنف ابن حوقل يرجع تاريخها إلى عام ١٠٦٤ لا تظهر خارطة العالم مستديرة بل تتخذ شكلا إهليلجيا (elliptic) ، مما يتفق مع الفكرة الفلكية عن المعمورة (١).
ومن الملاحظ أن تطور العلوم الجغرافية فى الأندلس كان أبطأ مما فى المشرق ، فمنذ القرن الحادى عشر نلاحظ الاهتمام بأنماط كانت قد بدأت تتقهقر فى المشرق إلى الصف الثانى هذا إذا لم تكن قد اختفت تماما.
ويقدم لنا مثالا طريفا المحدث الأندلسى المشهور ابن عبد البر النمرى القرطبى (٣٦٨ ه ـ ٤٦٣ ه ـ ٩٧٨ ـ ١٠٧١) الذى اكتسب شهرة واسعة كعالم فى الحديث ، وقد أخذ العلم بقرطبة التى كانت لا تزال