تتصف بجميع أبهة عاصمة الخلافة الغربية ؛ وهو لم يغادر الأندلس على الإطلاق وتوفى بشاطبةJa؟tive فى التسعين من عمره تقريبا (٢). وقد نالت مؤلفاته العديدة فى الحديث شهرة عريضة ولم يكن هو فيما يبدو غريبا على الموضوعات الأدبية ، ويتضح ذلك من أحد مصنفاته الأدبية وكذلك من شرحه المشهور لأشعار أبى العتاهية ، شاعر الزهد فى العصر العباسى. وبالحديث يرتبط أكثر مما يرتبط بالأدب مؤلفه الذى يمكن أن تكون له صلة بالجغرافيا ، أو على الأحرى بالاثنوغرافيا.
ويحمل الكتاب عنوانا طنانا قد يختلف أحيانا من مصدر لآخر هو «القصد والأمم فى التعريف بأصول العرب والعجم» ؛ وهو فى الواقع عبارة عن رسالة صغيرة تقع فى عشرين صفحة تقريبا ولا تكاد تذكر شيئا عن العرب بل تعالج فقط مسألة ظهور الشعوب الغريبة التى ورد ذكرها فى الحديث. وبعض مادته مأخوذ من العهد القديم ، بل ومن أسطورة الإسكندر ذى القرنين كذلك ، وهى فى هذا تتفق بعض الشىء مع روايات المسعودى. وقد افترض نولدكه No؟ldeke أن الرسالة إنما تمثل ذيلا فحسب لكتاب كبير لابن عبد البر فى أنساب القبائل العربية والصحابة وأن قيتهما العلمية ليست بذات بال (٣). ومثل هذا النوع من المؤلفات معروف لنا جيدا فهو يتمم محاولات العهد المبكر لتفسير الأحاديث النبوية تفسيرا جغرافيا ، وهى محاولات ترجع إلى عهد ابن عباس. وهذا بالتأكيد لا ينفى أن عناصر متفرقة منها يمكن أن تقدم بعض الفائدة فى محيط الجغرافيا إذا ما عرضت لتحليل مناسب. ولعل شيفيرSche؟fer كان مصيبا عندما نشر قطعة من رسالة ابن عبد البر هذه مصحوبة بترجمة فرنسية ، وهى القطعة الخاصة بأهل الصين ، وأكد أنه توجد بها إشارة دقيقة إلى عبادة الأسلاف كما توجد بها فكرة عن وجود قبائل الأينوAino فى شمال الصين (٤). وفيران Ferrand رغم تشككه بصدد هذه النقطة الأخيرة إلا أن ذلك لم يمنعه من الاستشهاد بمتن ابن عبد البر حول مسألة علاقة الصين بسكان الملايو (٥).
وإلى نفس هذا الوسط ينتمى مؤلف يحتل مكانة كبيرة بالنسبة لنا وهو أحمد بن عمر العذرى (٣٩٣ ه ـ ٤٧٨ ه ـ ١٠٠٣ ـ ١٠٨٥) (٦) الذى يعتبر فى ذات الوقت تلميذا أو أستاذا لابن عبد البر (٧) ، تماما كما كان تلميذا وأستاذا لابن حزم المشهور (٨) ، فجميعهم أبناء عصر واحد ووفقا لما كان متبعا فى الدوائر العلمية آنذاك فإنه لم يكن هناك ما يمنع أحدهم من التتلمذ على الآخر فى فرع من العلوم التى يجيدها الأخير. وقد توفى العذرى عام استيلاء الفونس السادس Alfonso VI على طليطلةToledo. وميزة العذرى الكبرى على ابن عبد البر ليست فى رحلته إلى المشرق فحسب بل فى أنه عاش بمكة نحوا من تسعة أعوام (٩) ، ولذا فمن المنطقى أن تتصف معلوماته الجغرافية بالعمق ولا تعتمد على المادة المدونة فى الكتب وحدها بل وعلى انطباعاته الشخصية كذلك. ومن العسير معرفة أىّ من هذين الاتجاهين دفعه قبل الآخر إلى وضع مصنف خاص فى الجغرافيا ، غير أنه يتضح من العنوان وهو «نظام المرجان فى المسالك والممالك» أنه ربما ارتبط بالتراث المعروف لنا جيدا.