نصورها افتتاحيته ؛ ومن ثم فإن الكثرة الغالبة من البحاثة يميلون إلى اعتبار الكتاب شرحا للخارطات فحسب (١٢٦) ، وقد تردد أكثر من مرة الرأى القائل بأن المسافات المذكورة بالمتن ، سواء المراحل منها أو الأميال ، لا تستند فى الواقع على معطيات واقعية عن الطرق نفسها بل يعتمد على القياس المقرّب لمواقع الأماكن الجغرافية المختلفة على الخارطة (١٢٧). ويمكن لأول وهلة إثبات أسبقية الخارطات على المتن من الدراسة المقارنة لكليهما ؛ فمن الملاحظ مثلا أن الأسماء الموجودة على الخارطة ترد فى صورة أصح وأقدم مما هى عليه فى المتن ، فضلا عن أن عددها أكثر (١٢٨) ، خاصة فيما يتعلق بأسماء الجبال والمدن (١٢٩) ؛ وإذا ما حدث العكس ووجدت فى المتن أسماء (١٣٠) لا أثر لها بالخارطات فمرد ذلك إلى أنه ليس من السهل تضمين كل ذلك الحشد من الأسماء داخل خارطة فى حين يسهل إيرادها فى متن الكتاب. غير أن الدراسة الفاحصة قد تسوق أحيانا إلى نتيجة مضادة عند بحث موضوع الأسبقية هذا ، فتوليوTuulio الذى درس بعناية فائقة خارطة الأجزاء الشمالية من أوروبا وهى القسمان الثالث والرابع من الإقليم السابع قد وصل إلى نتيجة حاسمة مؤداها أن الخارطة تالية للمتن (١٣١). لذا فإنه من غير الميسور إصدار حكم عام فى هذا الصدد يصدق على جميع أقسام الكتاب ؛ أما إذا أخذنا بمنطوق الافتتاحية فإنه يجب القول بوجه عام بأسبقية الخارطات. ولكن يجب الاستدراك على هذا بقولنا إنه فى حالات معينة ، خاصة عندما يدور الكلام على مناطق معروفة قليلا ، فإنه يمكن الافتراض بأن العمل فى كليهما قد سار جنبا إلى جنب ؛ أضف إلى هذا أن المتن فيما يبدو قد تعرض للتدوين فى أكثر من مسودة ، مرتبطا فى ذلك بالخارطات أو مستقلا عنها ، كما وأنه من الممكن أن يضاف إلى الخارطة من المتن فيما بعد.
ومن العسير علينا أيضا فى الوقت الحاضر الوصول إلى رأى قاطع حول أصل خارطات الإدريسى وصلتها بأصل بطلميوس. وكما ذكرنا من قبل فإن أطلس الأدريسى يضم سبعين خارطة ، يفتقد منها عادة فى المخطوطات واحدة أو اثنتان (١٣٢). كما يوجد سوى ذلك فى مطلع الكتاب خارطة مستديرة للعالم (١٣٣) هى الوحيدة التى يمكن ربطها بمنهج «أطلس الإسلام» للمدرسة الكلاسيكية (١٣٤). فالفكرة الخاصة بهذا الأطلس وهى المتعلقة بوجود بحرين كبيرين تنعكس بوضوح فى خارطة الإدريسى هذه ، ولكن تحديد سواحل البحر الأبيض المتوسط بها يقرب من الواقع أكثر مما هو الحال مع أية واحدة من الخارطات السابقة (١٣٥). وجميع خارطات الإدريسى بما فى ذلك هذه الخارطة المستديرة تنفرد بدقة الرسم (١٣٦) وباطراح منهج الخطوط المستقيمة والدوائر الهندسة الذى تميزت به الفترة الثانية للكارتوغرافيا العربية ، أى «أطلس الإسلام».
ومن الصعب القول هل كانت الكرة الفضية التى عملت لروجر على هيئة خارطة مستديرة للعالم أم خارطة كبرى «للأقاليم». وفيما عدا بعض ملاحظات عامة فى الجغرافيا الفلكية فإن مقدمة الكتاب لا تذكر شيئا عن المناهج الفلكية التى اتبعت فى تخطيط هذه الخارطات ، وهذا بدوره قد سول لكرامرس