Kramers الافتراض بأن مثل هذه المناهج لم تستخدم فى ذلك العصر وأن أنموذج الرسم لم يكن سوى خارطة قديمة من نوع الخارطات البطلميوسية مبين عليها الأسماء باللغة العربية على أغلب الظن (١٣٧) وأن الإدريسى كان يضيف إليها بالتدريج أسماء جديدة (١٣٨). وحتى مثل هذا الفرض لا يمكن قبوله إلا بشىء من التحفظ. وفى دراسته لخارطة الإدريسى المبين عليها بحر الأدرياتيك اضطر العلامة الإيطالى فورلانى Furlani إلى التصريح بأن هذه الخارطة تقف بمعزل ، سواء عن متن «نزهة المشتاق» أو عن خارطات بطلميوس (١٣٩). وقد وافقه على هذا الرأى نالينو (١٤٠).
والفترة الثالثة فى تاريخ الكارتوغرافيا العربية وهى المقترنة باسم الإدريسى (١٤١) تعتبر الأوج الذى بلغه فن رسم الخارطات الجغرافية عند العرب ، ولكن فى الوقت نفسه تحمل فى طياتها بوادر الاضمحلال رغما عن الدقة الكبيرة فى طريقة الرسم. ويظهر بوضوح تام أن فكرة الأطوال والعروض الجغرافية اختفت تماما من الخارطة (١٤٢) ولكن يمكن ملاحظة بعض آثارها فيما يتعلق بالأقاليم الأولى (١٤٣). والأقاليم لدى الإدريسى بوجه عام تتحول إلى أحزمة متساوية فى العرض ، مما يدل على أن الأساس الفلكى الذى قام عليه تقسيمها قد نسى تماما (١٤٤). أما تقسيم كل واحد منها آليا إلى عشرة أقسام فيقف دليلا على انحطاط الكارتوغرافيا العربية ؛ وتبيان خط منتصف النهار الابتدائى الذى يمر بجزر السعادة فى طرف الخارطة فيه إشارة أخرى إلى تأثير مذهب بطلميوس (١٤٥). وثمة برهان آخر على هذا التدهور هو أن فحص التفاصيل الموجودة بخارطات الإدريسى أشق بكثير من فحصها لدى الخوارزمى الذى يمثل بداية المذهب البطلميوسى عند العرب بقدر ما يمثل الإدريسى نهايته (١٤٦). ورغما عن هذا التقدير السلبى فإنه يجب على أية حال اعتبار أطلس الإدريسى أهم أثر للكارتوغرافيا العربية ، بل لعله أهم أثر لكارتوغرافيا العصور الوسطى بأجمعها (١٤٧).
ويكاد اسم الإدريسى يقترن بصفة نهائية بكتابه «نزهة المشتاق» ولكن ثبت منذ عهد طويل أن لديه مصنفا آخر فى الجغرافيا عمله من أجل غليوم الأول (١١٥٤ ـ ١١٦٦) ولد روجر وخلفه ، وذلك بعنوان «روض الأنس ونزهة النفس». وفيما عدا العنوان فلا نكاد نعرف عن هذا المصنف إلا شذرات قليلة حفظها لنا فى القرن الرابع عشر أبو الفدا الذى أطلق على الكتاب عادة اسم «كتاب المسالك (والممالك)» (١٤٨) ، وفى بداية هذا القرن عثر باستنبول على مخطوطة تمثل فيما يبدو قطعة من هذا المصنف الأخير تحمل عنوان «روض الفرج ونزهة المهج» يرجع تاريخها إلى عام ٥٥٨ ه ـ ١١٩٢ ، وهى تحتوى على أطلس كامل من ثلاث وسبعين خارطة. وقد عرف هذا المصنف فى الدوائر العلمية باسم «الإدريسى الصغير» وذلك للتفريق بينه وبين كتابه الرئيسى «نزهة المشتاق» (١٤٩). وعندما نشر ميلر هذه الخارطات سماها خطأ «أطلس الجيب» (١٥٠) ؛ بينما المخطوطة فى الواقع ذات حجم طبيعى (١٥١) ، ولا يزال متن هذا الكتاب غير معروف لنا فيما عدا شذرات طفيفة ، ويمكن الحكم عليه فقط من خطاب