الفصل الحادى عشر
جغرافيو القرن الثانى عشر بالمشرق
إذ حدث ولم نلتق بمصنف جغرافى هام فى شرقى العالم الإسلامى فى القرن الثانى عشر فإن هذه الظاهرة لا تعنى إطلاقا أن المصنفات الجغرافية كانت قليلة العدد أو تنتمى إلى نمط واحد. فهنا تقابلنا كما كان عليه الحال من قبل جميع الأنماط الأساسية ممثلة فى الجغرافيا الفلكية التى تمس أحيانا الجغرافيا الوصفية ، وفى المعاجم الجغرافية سواء التى تعتمد على أساس لغوى أو أسس أخرى كالأنساب ، وأخيرا تأتى الرحلات. وإلى جانب اللغة العربية التى استمرت بها تقاليد القرون السابقة نما أيضا بالكثير من الحيوية الأدب الجغرافى باللغة الفارسية وظهر بها فى هذا الصدد آثار تتميز بالكثير من الأصالة والإبداع.
وفى جوّ عربى خالص بالنسبة لذلك العصر يمكن أن نلاحظ ظاهرة طريفة ترتبط بمحيط حضارى مستقل بذاته ، مركزه خوارزم ومجاله جميع بلاد ما وراء النهر. ويمكن تقصى آثار ابتداء هذه الظاهرة فى تلك المنطقة بالذات إلى القرن العاشر ، أى فى العصر السابق لعصر البيرونى ؛ أما نهايتها فيمثلها الغزو المغولى ، أى بالتقريب تلك اللحظة التى كان يجمع فيها ياقوت مادة علمية ضخمة من مكتبات مرو من أجل معجميه المشهورين.
وبخوارزم وبلاد ما وراء النهر ترتبط معظم أسماء المؤلفين والمصنفات الذين سنتكلم عنهم فى نطاق القرن الثانى عشر ، وقد لاحظنا أثناء الكلام على الترجمة الفارسية لكتاب ابن حوقل كيف ظهر الميل إلى ربط الجغرافيا الوصفية بالجغرافيا الرياضية فى منتصف ذلك القرن ؛ ويمكننا أن نلاحظ الآن فى مصنف لأحد أهالى خيوه وهو الخرقى (١) محاولة مضادة لتقريب الجغرافيا الرياضية من الجغرافيا الوصفية. أما عن المؤلف نفسه فإن معلوماتنا تقتصر على القليل ، بل إن اسمه نفسه مجال لاختلاف كبير (٢). وتشير النسبة إلى صلته بمحلة صغيرة من أعمال مرو ، وكان مقربا من بلاط شاهات خوارزم ومن المحتمل أنه كان فلكيا للبلاط ، وقد عاش معظم حياته بخيوه (٣) وتوفى على ما يظهر فى عام ٥٣٣ ه ـ ١١٣٨ (٤) ، أما أرصاده الأساسية فترجع إلى عام ١١٣٢ (٥).
ويحمل مصنفه الرئيسى طابعا فلكيا ينعكس فى العنوان نفسه وهو «منتهى الإدراك فى تفسير الأفلاك». ويجب أن يقتصر حكمنا عليه من مضمونه العام ومن المقتطفات المنقولة عنه ، إذ أن المعروف من مخطوطاته لم ينشر بعد ؛ ويرجع الفضل فى دراستها لنالينو وفيدمان. والمصنف كان على ما يظهر