وفى الواقع أن خارطتى الجبال وبحر قزوين فقط هما اللتان روعى فى تخطيطهما بعض العناية والدقة ، أما بقية الرسوم فتمثل فى الغالب مسودات وتخطيطات أولية.
وثمة مصنف فى الجغرافيا العامة باللغة الفارسية يسوقنا إلى عهد قريب من عهد المغول وهو كتاب «جهان نامه» لمحمد بن نجيب بكران الذى وضعه لآخر شاهات خوارزم إلا واحدا وهو السلطان محمد (٥٩٦ ه ـ ٦١٧ ه ـ ١٢٠٠ ـ ١٢٢٠) (٩٦). وهو محفوظ فى مخطوطتين وأصبح معروفا لدينا بالذات لأنه يدخل ضمن المجموعة الشهيرة التى كان يمتلكها طومانسكى Tumanski والتى تضم أيضا مخطوطة «حدود العالم» المجهولة المؤلف. وتحمل مخطوطة «جهان نامه» فى هذه المجموعة تاريخ ٦٦٣ ه ـ ١٢٦٥ (٩٧) ، أى أنه قد تم نسخها بعد خمسين عاما تقريبا من تأليف الكتاب (١). ويرجع إلى طومانسكى نفسه الفضل فى التعريف بها لأول مرة وبشذرات منها ، ثم أضاف بارتولد مرارا إلى هذه الشذرات اعتمادا على المخطوطة الباريسية (٩٨). والكتاب يمثل مصنفا من النوع العادى فى جغرافيا العالم موجزا بعض الشىء مما قد يحمل على الاعتقاد بأن المقصود به ليس سوى تعليق على مصور جغرافى (خارطة) لم يصلنا (٩٩). غير أن بعض مادته عن آسيا الوسطى بالذات يمثل أهمية ما ؛ وقد لاحظ بارتولد فى وقته أنه يقدم تفاصيل قيمة عن جغرافيا ما وراء النهر وتاريخ القراخطاى (١٠٠) ؛ وقد ضمنت منه فى الآونة الأخيرة شذرات فى مجموعة المواد الخاصة بتاريخ التركمان (١٠١). وبالرغم من أنه لا يمثل أهمية خاصة فى التاريخ العام لتطور الأدب الجغرافى فإن مصنف محمد بكران لم يهمل على أية حال فى نطاق المحيط الفارسى لهذا الأدب فرجع إليه فى القرن الخامس عشر حافظ آبرو (١٠٢) ، وفى نهاية ذلك القرن يقدم لنا سعيد جرجانى موجزا له فى القسم الثانى من كتابه الذى يحمل العنوان التقليدى «مسالك وممالك» (١٠٣).
ويوشك «جامع الحكايات ولوامع الروايات» لمحمد عوفى أن يكون أهم مصنف باللغة الفارسية بالنسبة للعصر السابق للغزو المغولى وذلك فيما يتعلق بمادته الجغرافية (١٠٤) رغما من أنه لم يقصد به الجغرافيا فى حد ذاتها. ويرجع وقت تأليفه إلى الثلت الأخير من القرن الثالث عشر. وعوفى أصله من بخارى وكان يفخر بأن جده الأعلى هو عبد الرحمن بن عوف الصحابى الجليل (١٠٥) ؛ غير أن شهرة عوفى ومكانته إنما تعتمدان على كونه مؤلفا كبيرا باللغة الفارسية. ونال انتشارا واسعا مؤلف له باللغة الفارسية أيضا يغلب عليه طابع التاريخ الأدبى هو «لباب الألباب». وقد أمضى عوفى أيام صباه ببلاد ما وراء النهر خاصة بسمرقند ولكنه أقام أيضا بخوارزم ونيسابور ؛ ونظرا لاضطراب الأحوال بموطنه وتوتر أخبار الغزو المغولى فقد هاجر عوفى إلى بلاط سلطان البنجاب ناصر الدين قباجه وبعد هلاكه عام ٦٢٥ ـ ١٢٢٨ على يد ايلتتمش سلطان دلهى (٦٠٧ ه ـ ٦٣٣ ـ ١٢١٠ ـ ١٢٣٦) التحق عوفى ببلاط الأخير ، وهو أول
__________________
(*) طبع بموسكو طبعة مصورة (facsimile) فى عام ١٩٦٠. (المترجم)