أمير هندى يعترف به رسميا خلفاء بغداد بالرغم من أن هذا الاعتراف قد تم قبل قليل من زوال الخلافة العباسية على أيدى الغزاة المغول (١٠٦).
وإلى وزير ايلتتمش رفع عوفى مصنفه «جوامع الحكايات» الذى بدأ تأليفه قبل عام ٦٢٥ ه ـ ١٢٢٨ وأتمه بعد عام ٦٣٣ ه ـ ١٢٣٦. ورغما من أن متن الكتاب لم يطبع إلى الآن طبعة علمية (١) إلا أنه يمكن تكوين فكرة واضحة عنه ليس فقط من الشذرات المتفرقة المنقولة عنه أو من طابعه العام بل أيضا بفضل البحث الوافى الذى كتبه باللغة الإنجليزية محمد نظام الدين وقدم فيه تحليلا لا مثيل له لمضمون الكتاب يمتاز بالعمق والتفصيل (١٠٧).
ومصنف عوفى ينتمى إلى ذلك الطراز من المجموعات الأدبية الذى انتشر بشكل خاص فى الأدب العربى ، أقصد مجموعة القصص التاريخية واليومية التى يقصد بها النصيحة والموعظة الحسنة وأحيانا الإمتاع. وهو يذكرنا من ناحية بكتاب التنوخى «الفرج بعد الشدة» الذى مر الكلام عليه ؛ ولا غرو فقد ترجم عوفى نفسه هذا الكتاب إلى اللغة الفارسية حوالى عام ٦٢٠ ه ـ ١٢٢٣ (١٠٨) ، بل إن بعض قصصه يتكرر فى مجموعته هذه. ولا يخلو مصنف عوفى من درجة معينة من التناسق ولو أنه تناسق ذو طابع خارجى إلى حد كبير ، فهو ينقسم إلى أربعة أقسام يضم كل واحد منها خمسة وعشرين بابا ويختلف عدد الحكايات من باب إلى آخر. وببلغ عدد الحكايات وفقا لتعداد نظام الدين ألفين ومائة وثلاث عشرة حكاية (١٠٩). ويضم القسم الأول منه الحكايات عن حكمة الخالق ومعجزات الأنبياء والأولياء وتاريخ الملوك والخلفاء وسير مشاهير الرجال. أما الثانى ففى بيان الأخلاق الحميدة والسّير المرضية ، والثالث فى الأخلاق المذمومة ؛ أما الرابع فيرد فيه الكلام على الأحوال الغريبة وعجائب البحر والبر وطبايع الحيوان وطرف وملح لمشاهير الناس. وهكذا كما هو الحال دائما مع المجموعات الأدبية نبصر فى كتاب عوفى موضوعات شتى تتابع داخل الباب الواحد دون أى نظام ، فيقابلنا إلى جانب التاريخ الأدب والنصائح والأخلاق بل وحتى ، كما يقول سارطون ، الكوزموغرافيا وعلم الحيوان (١١٠).
وكمية المادة الجغرافية فيه ليست بالمهملة ، بل وأحيانا ذات قيمة كبرى. فإل جانب النقاط العديدة المنتشرة خلال الأقسام المختلفة للكتاب تفوز الجغرافيا بمعناها الواسع بالبابين السادس عشر والسابع عشر من القسم الرابع (١١١) وتبدو خلال ذلك محاولة ملحوظة لعرض المادة فى صورة منظمة. ويرسم لنا فيهما عوفى لوحة عامة للعالم كما يراه الجغرافيون ويزودنا بمعلومات عن بعض الشعوب التى تقطن «الأقاليم» المختلفة. ويبدأ الفصل السادس عشر بفذلكة قصيرة فى الجغرافيا الطبيعية ، ويلى ذلك تقسيم العالم إلى سبعة «أقاليم» ؛ وفى هذا يتفق عوفى كثيرا أو قليلا مع المسعودى من الجغرافيين السابقين والقزوينى والدمشقى من الجغرافيين اللاحقين. ويتلو هذا الكلام على الصين وعاصمتها القديمة وفنها وحضارتها ،
__________________
(*) ظهر الجزء الأول منه باعتناء الدكتور محمد معين ، وذلك ضمن منشورات جامعة طهران. (المترجم)