وتتفق بعض معطياته فى هذا الصدد مع رواية أبى دلف المعروفة لنا. وتظفر بأهمية كبرى الروايات التالية لذلك عن القبائل التركية فى أواسط آسيا وشمال شرقى أوروبا. ويبدأ الفصل السابع عشر بالجغرافيا التاريخية للروم أى الدولة البيزنطية مع وصف لنظامها العسكرى وللإدارة البلدية والطقوس الدينية والعلم اليونانى فى آسيا الصغرى. ووصف جزيرة العرب الذى يلى هذا تصحبه حكايات عن حضارة العرب قبل الإسلام وعن حياتهم البدوية. أما روايته عن الهند فتقتصر على ملاحظات قصيرة عن انتشار السحر فيها وعن التنوع الكبير فى شعوبها وأديانها. ويلى هذا قسم عن الحبش وأخلاقهم وعاداتهم ، ويختتم هذا الفصل برواية مفصلة عن جزر بحر قزوين ومنطقة البلغار القريبة منه وقبائل أخرى ، وعن الرمال المتحركة وبلد النساء.
وكما يبصر من هذا السرد فالمعطيات الواقعية فى القسم الجغرافى تسير جنبا إلى جنب مع التفاصيل الأسطورية ؛ والمصنف فى مجموعه يمثل أنموذجا جيدا لكتاب وضع من أجل المطالعة الأدبية ولكنه ينتحى بعض الشىء ناحية العجائب Mirabilia. ومجموع الروايات الصحيحة فيه خاصة المتعلقة بالتاريخ القديم لشعوب اتحادنا السوفيتى ليس بالضئيل ؛ ويجب أن نتذكر دائما أن عوفى ، كما وضّح ذلك لأول مرة بارتولد ، هو المؤلف الإسلامى الوحيد الذى يورد اسم الأمير فلاديميرVladimir (١١٢) عند الحديث على اعتناق الروس للمسيحية. كذلك بين ماركفارت Markwart الأهمية الفريدة لروايات عوفى عن شعوب بلغار ويوراYoura وسكان شمال أوروبا (١١٣) ، كما لا تخلو من بعض الأهمية مادته عن قبائل شرقى آسيا والقبائل التركية ؛ وقد أثبت بارتولد أنه أول كاتب فارسى يذكر الأويغورUighur (١١٤). بل وحتى فيما يتعلق بالشرق الأقصى توجد لديه نقاط لا تخلو من الأهمية فقد لفت شيفيرSche؟fer الأنظار إلى قصته عن السادة العلويين الذين هربو بأنفسهم من اضطهاد الأمويين إلى الصين واتخذوها موطنا لهم وأصبحوا بالتالى حلقة وصل بين الصين وبلاد الإسلام (١١٥).
هذا التنوع فى المادة التى يرويها عوفى يقف دليلا على العدد الهائل من المصادر التى رجع إليها واستقى منها ، وقد حلل لنا محمد نظام الدين (١١٦) بالكثير من المهارة نيفا وأربعين منها مما أمكن إثباته دون ريبة. أما فيما يتعلق بمادته الجغرافية على وجه الخصوص فإنه لن يتأتى تكوين فكرة عنها إلا إذا أفردت لذلك أبحاث ودراسات مستقلة. ويبدو جليا فى الأقسام العامة للكتاب تأثير مصنفات كمصنفات الجاحظ (١١٧) والبيرونى (١١٨) ، كما أن عدد المراجع التاريخية التى استقى منها مادته كبير للغاية (١١٩). غير أنه يقتصر فى الفصول الجغرافية على الإشارة الغامضة إلى «كتاب الطبائع» و «مسالك وممالك» (١٢٠) ؛ وإذا أمكننا أن نبصر فى الأول بالكثير من الصواب «طبائع الحيوان» للمروزى (١٢١) من القرن الحادى عشر ، وقد مر عليه الكلام فى موضعه من الكتاب ، فإن القول بأن أى مصنف من نوع المسالك والممالك يقصد عوفى بالذات أمر عسير للغاية بإزاء العدد الضخم من المصنفات فى ذلك الباب. وكما هو