الأمر دائما مع مصنفات القرنين الثانى عشر والثالث عشر فيوجد ما يبرر الافتراض بأنه قد استعمل آثار المؤسسين الأصليين لمدرسة القرن العاشر بصورة أقل مما استعمل مصنفات المتأخرين من هذه الجماعة.
ومؤلف عوفى يعتبر بحق مصنفا كلاسيكيا فى الأدب الفارسى عرفه جميع الكتاب المتأخرين تقريبا ، ونخص منهم بالذكر حمد الله قزوينى وحافظ آبرو اللذين سنلتقى بهما فيما بعد. هذا وقد ترجم «جوامع الحكايات» أكثر من مرة إلى التركية ، وممن ترجمه ابن عربشاه المشهور (١٢٢) (القرن الخامس عشر) كما رجع إليه كمصدر عام عدد كبير من البحاثة المعاصرين فى مختلف الميادين (١٢٣). وهو هام بالنسبة لنا لأنه يبين مدى اتساع أفق المعلومات الجغرافية بين غير المتخصصين من أهل الأدب فى بداية القرن الثالث عشر ، أى قبل قليل من الغزو المغولى.
ونظرة عامة إلى القرن الثانى عشر بالمشرق تبين لنا أنه لم يأت فى الواقع بأية أنماط جديدة أو آثار كبرى كما حدث فى الماضى ، غير أن هذا بالتأكيد لا يعنى أنه لم تظهر فيه آثار لا تزال محتفظة بأهميتها العلمية إلى أيامنا هذه ، إذ يكفى فى هذا الصدد الإشارة ولو إلى السمعانى وحده ؛ وغفير عدد تلك المصنفات التى لم تستخرج منها بعد المواد التى تخص كل فرع من فروع العلوم. كما أن هذا العصر هو أول عصر تكتسب فيه المصنفات الفارسية أهمية أكثر من ذى قبل بل وتتمتع أحيانا بدرجة عالية من الأصالة. ولكن أن يستنتج من هذا أن الأدب الفارسى قد تفوق على الأدب العربى فى ذلك العصر ، على الأقل فى محيط الجغرافيا كما حدث بالتالى فى محيط التاريخ ، لهو أمر سابق لأوانه حقا. بل على العكس من هذا يقدم لنا القرن التالى لهذا عددا من المصنفات الكبرى ، إن ليس فى أنماط جديدة فعلى الأقل بأهداف جديدة. ويشغل المكانة الأولى بينها دون منازع سواء من ناحية الأسبقية الزمنية أو القيمة الذاتية مؤلف ياقوت الذى يقدم لنا جماع ما عرف فى هذا الميدان فى الحقبة التاريخية السابقة للغزو المغولى ، ويحتل مكانة رفيعة لا مثيل لها سواء فى محيط الرحلات أو الجغرافيا بفروعها الفلكية واللغوية والوصفية.