ولكن لا يمكن القول إطلاقا بأنه قد استوفى أسماء جميع من استقى مادته منهم (٣٥). وقد حدث وأن عرضنا لعدد كبير منهم فيما مر من هذا الكتاب معتمدين فى ذلك أحيانا على ياقوت وحده وذلك لفقدان الأصول التى نقل عنها. ويختتم ياقوت المقدمة بتحليل لكتابه ولمنهجه فى التأليف (٣٦) ، وهى مسألة قد ألقى عليها روزن بعض الضوء فى بحثه المشار إليه. وقد رفض ياقوت فى كثير من الحدة والغيرة التماس من طلبوا منه مرارا اختصار كتابه ، وهو يستشهد فى هذا الصدد بحكاية للجاحظ فى عيوب اختصار الكتب (٣٧).
ويلى المقدمة خمسة أبواب بمثابة مدخل للمعجم ، يعرض أولها للنظريات المختلفة فى صورة الأرض معتمدا فى ذلك على معطيات الجغرافيا الرياضية المعروفة لنا فى جوهرها. ويميل ياقوت إلى اعتبار الأرض كروية تتجاذبها أطراف الفلك من جميع النواحى كالمغناطيس. ويبحث الباب الثانى فى نظام تقسيم الأقاليم ، ولكن ياقوت يورد فيه أيضا قائمة البروج الاثنى عشر والبلدان الواقعة تحت تأثيرها كما يعرض للطرق العملية المتبعة فى تحديد قبلة كل موضع من الأرض. وأما الباب الثالث ففى تفسير المصطلحات التى يرد ذكرها فى المصنفات الجغرافية كالبريد والفرسخ والميل ، وأيضا النواحى كالإقليم والكورة والمخلاف والاستان والرستاق والطسوج والجند وآباد والسكة والمصر ، ثم يوضح مصطلحات الجغرافية الفلكية كالطول والعرض والدرجة والدقيقة ، ثم المصطلحات الخاصة بالخراج وغلة الأرض كالصلح والسلم والعنوة والخراج والفىء والغنيمة والصدقة والخمس والقطيعة. ويعطى الباب الرابع تصنيفا قصيرا للبلاد المختلفة التى فتحها المسلمون وذلك وفقا للخراج الذى يجبى من كل منها. أما الباب الخامس فأشبه ما يكون بمقدمة فى أخبار البلاد وسكان النواحى المختلفة وتوزيع الممالك بحسب مكانتها وعراقتها فتأتى فى المرتبة الأولى بابل وتليها الهند فالصين فالترك فالروم. وفقط بعد هذه الأبواب المدخلية (Introductory) التى تشغل خمسين صفحة من الكتاب (١) يبدأ المعجم بمعناه الدقيق.
وترد فيه أسماء المواضع بحسب الترتيب الأبجدى كما هو الحال مع المعاجم السابقة المعروفة لنا ؛ ولكن يجب ألا يغيب عن البال أن الترتيب قد يختلف داخل الحرف الواحد أحيانا ، وهو أمر غير معهود لنا من قبل. وبعد إيراد الاسم يرد توضيح مفصل بالألفاظ لنطقه مع ذكر اختلاف القراءات. وكثيرا ما يسوق ياقوت اشتقاق بعض التسميات ويحاول توضيح منشئها وأصلها ؛ وكما هو ديدن جميع اللغويين العرب فهو يحاول أيضا تفسير التسمية من صميم اللغة العربية ولا يسمح بفكرة وجود أصل غير عربى لها إلا فى حالات نادرة. وهذا القسم الأول اللغوى يصحبه فى العادة شواهد من الشعراء العرب ممن يمكن الثقة فيهم لتحديد النطق الصحيح الذى قد يعتمد أحيانا على البحر والقافية ؛ ثم يلى هذا عادة بيان طول وعرض المكان مع تحديد البرج الذى يقع تحته.
__________________
(*) ظهرت فى عام ١٩٥٩ ترجمة إنجليزية لهذه الأبواب الخمسة مع تعليقات وافية وإشارات إلى المراجع ؛ وهى بقلم وديع جويدة وقد طبعت بدار بريل Brill بليدن. (المترجم)