الحاضر على أنه يمكن بواسطتها أحيانا توضيح النقاط المغلقة فى المعجم الكبير ، كما ستستمر على الدوام مفيدة وقيمة تعليقات يينبول عليها.
وكان ياقوت أديبا واسع الأفق وكاتبا جم النشاط متعدد النواعى ؛ ومن دون حاجة إلى ذكر مصنفاته التى لم تصل إلينا فإنه يكفى أن نشير إلى معجم الأدباء الذى لا يقل حجما أو أهمية عن معجمه الجغرافى بل وربما يفوقه فيما يتعلق بالمادة التاريخية والحضارية عن العالم الإسلامى. ومن المستحيل مقارنة ياقوت ببحاثة عالمى كالبيرونى أو رحالة من طراز المسعودى أو المقدسى ، غير أنه لدى المقارنة بجماعة الجغرافيين اللغويين من أمثال البكرى فإن ياقوت يبزهم أجمعين ، ليس فقط فى غزارة مادته وتنوعها بل أيضا فى منهجه المستقل الذى ينطوى على الذكاء. لكل هذا فإن مصنفه الجغرافى يختتم بجدارة العهد السابق للغزو المغولى ، أما هو نفسه فيمكن اعتباره من أبرز رجالات عصره خاصة فى هذا الفرع من الأدب الذى نعالجه فى كتابنا هذا. ولا يزال معجمه إلى أيامنا هذه يخدم غرضه ويلعب دوره كمرجع موثوق به ، مما يقف برهانا ساطعا على أهميته التى لا تضارع.
وبعد عامين من وفاة ياقوت توفى ببغداد معاصره الأكبر سنا منه (موفق الدين) عبد اللطيف (ابن يونس) البغدادى (٥١) ، الذى لم يكن عالما لغويا فى الأصل بل عالما بيولوجيا (Biologist) ، ولم يكن مؤلف سفر ضخم جامع بل رسالة صغيرة عن مصر ذات أهمية جغرافية عامة ممتازة.
وسيرة حياته معروفة لنا جيدا بفضل الإشارة إليها فى عدد من المؤلفات من ناحية وبفضل الشذرات من سيرة حياته التى كتبها بنفسه (Autobiography) والتى حفظها لنا ابن أبى أصيبعة (توفى عام ٦٦٨ ه ـ ١٢٧٠) فى الفصل الذى أفرده له فى تاريخه للأطباء. وكان جد ابن أبى أصيبعة صديقا حميما لعبد اللطيف كما أن أباه قد درس الطب عليه. وقد ولد عبد اللطيف ببغداد عام ٥٥٧ ه ـ ١١٦٢ وترعرع بها ودرس الأدب والكيمياء التى كانت تشمل آنذاك الكيمياء والطب. وكانت مراكز تلك العلوم قد أخذت منذ ذلك الوقت تنتقل غربا لذا ففد توجه عبد اللطيف فى طلب العلم ، لا فى إثر ياقوت إلى بلاد ما وراء النهر بل إلى الشام ومصر. وقد بدأ ترحاله عام ٥٨٥ ه ـ ١١٨٩ من الموصل حيث استمع هناك إلى الرياضى الفقيه الذى ذاع صيته فى ذلك الوقت كمال الدين بن يونس ، وهو أحد العلماء الذين تمكنوا من حل المسألة الهندسية التى طرحها مع مسائل أخرى على العلماء العرب الإمبراطور فردريك الهوهنشتاوفنى Frederik of The Hohenstaufen (٥٢). وبفلسطين استرعى عبد اللطيف أنظار صلاح الدين الأيوبى الذى كان يقاتل الصليبيين فوصله وعينه مدرسا بإحدى مساجد دمشق. وبعد وفاة صلاح الدين فى عام ٥٨٩ ه ـ ١١٩٣ انتقل عبد اللطيف إلى مصر وتمتع برعاية الأيوبيين وظل بها يدرس الفقه ويتابع أبحاثه فى الطب والنبات ؛ وقد يسرت له علاقته بالأيوبيين التعرف بعدد كبير من فطاحل العلماء بمصر والشام مثل عماد الدين الأصفهانى مؤلف سيرة صلاح الدين والقاضى الفاضل وزيره ،