كتيبا (١٩٣٤) (٦٠) والمؤرخ محمد عبد الله عنان فصلا فى كتابه القيم «مصر الإسلامية» (١٩٣١) (٦١). وهكذا ظفر عبد اللطيف بتقدير المستعربين والعرب وتردد اسمه لدى علماء الحياة (biologists) والمؤرخين. ورغما من أنه ينتمى إلى طراز من الناس يخالف تماما طراز ياقوت إلا أنه يعتبر بنفس الدرجة مثالا نموذجيا لعصره وبيئته بل ولجميع الحضارة العربية عشية الغزو المغولى.
ولم يكن الاهتمام بعلم النبات شيئا غريبا على الجغرافيين العرب بل كان يمثل أحيانا هدفا أساسيا لرحلاتهم ومصنفاتهم ؛ فبعد عبد اللطيف زار مصر عالم من الأندلس يحمل لقب «النباتى» ، كما أن كنيته «ابن الرومية» تشير إلى أن والدته من نصارى أسبانيا. أما اسمه فلم يختلف عن الأسماء المعهودة لدى المسلمين وهو أبو العباس أحمد بن محمد ، وقد ولد باشبيلية وتوفى بها على ما يظهر عام ٦٣٧ ه ـ ١٢٣٩ بعد رحلات واسعة (٦٢).
ورغما من حمله للقب «الحافظ» (وذلك لحفظه القرآن) فإن ميوله على أية حال اتجهت نحو علم النبات بحيث اعتبره العرب من أكبر علمائهم فى هذا الفرع من العلوم. ولهذا ما يبرره فقد درس النبات نتيجة لاهتمامه المباشر به وليس بأغراض الطب فحسب كما جرت العادة. وفى البداية ساح فى أسبانيا وحدها وعلى محاذاة جبل طارق ثم عبر البحر حوالى عام ١٢١٧ إلى شمال أفريقيا ومصر وأدى فريضة الحج مدفوعا دائما بنفس أهدافه فى دراسة النبات. وقد حاول السلطان الأيوبى العادل أن يغريه بالبقاء بمصر لمعرفته الواسعة بالطب ولكن «النباتى» آثر الرحيل إلى الشام والعراق ليتعرف على نباتاتها غير الموجودة بالمغرب ؛ ولعله رجع إلى الأندلس عن طريق صقلية. وقد أودع نتائج ملاحظاته ودراساته كتابه الذى يحمل عنوانا عاديا وهو «كتاب الرحلة» ؛ ويتضح من المقتطفات المتبقية منه أن الكتاب قد كرس فعلا بتمامه للمسائل النباتية وحدها وحفل بمعلومات جديدة فى صددها مثال ذلك ما يورده عن نباتات سواحل البحر الأحمر. ومصنفه معروف إلى الآن فى مقتطفات كبيرة فقط حفظها لنا معاصره الأصغر وتلميذه عالم النبات الشهير ابن البيطار (توفى عام ٦٤٦ ه ـ ١٢٤٨) (٦٣).
وانتساب جميع هؤلاء العلماء إلى عصر الموحدين يبرر الكلام عن مؤرخ قام بمحاولة طريفة لفصل المنهج التاريخى عن المنهج الجغرافى وهو الأمر الذى لم يحفل له كثيرا التأليف العربى كما رأينا ، ذلكم هو عبد الواحد المراكشى سمى الفلكى المعروف الذى مر بنا الكلام عليه (٦٤). وقد ولد بمراكش عام ٥٨١ ه ـ ١١٨٥ ودرس بفاس وأقام بالأندلس وأدى فريضة الحج ثم استقر بمصر وكان بها أثناء استيلاء الصليبيين على دمياط (٦١٧ ه ـ ٦١٩ ه ـ ١٢٢٠ ـ ١٢٢٢) (٦٥).
ومصنفه الأساسى هو «كتاب المعجب فى (تلخيص) أخبار المغرب» الذى كرسه لتاريخ دولة الموحدين مع مقدمة قصيرة فى الحوادث السابقة لذلك ؛ وقد أتمه حوالى عام ٦٢١ ه ـ ١٢٢٤. والكتاب معروف منذ السنوات الأربعينات للقرن الماضى بفضل طبعة دوزى Dozy ثم الترجمة الفرنسية