بقلم فانيان Fagnan. وتحقيقا لرغبة مولاه يعطى المراكشى فى القسم الأخير من الكتاب وصفا جغرافيا لدولة الموحدين ولكن يسبقه بالألفاظ الآتية التى يتضح منها أنه يعتبر هذا الموضوع غير مناسب على الإطلاق لمهنة المؤرخ :
«وقد رسم مولانا حرس الله مجده أن يضاف إلى هذا التصنيف ذكر أقاليم المغرب وتعيين مدنه وتحديد ما بينها من المراحل عددا من لدن برقة إلى سوس الأقصى وذكر جزيرة الأندلس وما يملكه المسلمون من مدنها على ما تقدم فلم ير المملوك بدّا من الجرى على العادة فى سرعة الإجابة وامتثال مرسوم الخدمة لوجوب ذلك عليه شرعا وعرفا هذا مع أن هذا الباب خارج عن مقصود هذا التصنيف وداخل فى باب المسالك والممالك وقد وضع الناس فيه كتبا كثيرة ككتاب أبى عبيد الله البكرى الأندلسى وكتاب ابن فيّاض الأندلسى أيضا وكتاب ابن خرداذبه الفارسى وكتاب الفرغانى وغيرها من الكتب المفردة لهذا الشأن المستوعبة له ونحن إن شاء الله ذاكرون من ذلك موافقة لرأى مولانا العالى بما يقف به على حدود البلاد ويصور له صورتها على التقريب من غير تطويل جارين فى ذلك على ما سلف من عادتنا فى سائر الكتب» (٦٦).
من هذا القول يتضح أنه قد وجدت لدى العرب رغبة صادقة للتفريق بين المادتين التاريخية والجغرافية وإخضاع كل منهما لمنهج خاص يقوم على أسس عامة ، ولو أنهم فى الواقع لم يتمكنوا من ترجمة ذلك فى صورة واقعية.
وقد أصبحت مصر الأيوبية التى لم تمسها وطأة الغزو المغولى ملاذا للعلماء من الشرق والغرب فكانت بدلك كأنما تتهيأ لتتسنم مركز الثقافة العربية الذى أصبحته بالتالى نتيجة لاستيلاء المغول على بغداد. هذا وقد داوم علماء مصر على الاحتفاظ بالتراث الذى نشأ هناك ، فنلتقى فى هذا العصر بمصنفات من أنماط معروفة لنا. فمن جهة يقابلنا ذلك النوع الفريد لجغرافيا الدواوين وهى مراجع إدارية واقتصادية عملت من أجل كتاب الدواوين ، وخير مثال لهذا كتاب ابن مماتى «قوانين الدواوين» الذى لم يكن الوحيد من نوعه. ومن جهة أخرى تجمعت بالتدريج ونمت مادة نمط «الخطط» ، وهى أوصاف تاريخية وإدارية للنواحى والأحياء المختلفة من المدن الكبرى. ولعل خير مثال لهذين الاتجاهين ما يقدمه فى مصنفاته الإدارى والجغرافى النابلسى (توفى عام ٦٤١ ه ـ ١٢٤٣) (٦٧).
واسمه الكامل وهو عثمان بن إبراهيم النابلسى الصفدى يشير إلى أن أصله من فلسطين ، ولكنه عاش بمصر وعمل بها فى عهد السلطان الأيوبى نجم الدين أيوب (٦٣٧ ه ـ ٦٤٧ ه ـ ١٢٤٠ ـ ١٢٤٩) ولعله لم يتفاد تأثير ابن مماتى حينما وضع مصنفا مماثلا لمصنفه وهو «كتاب لمع القوانين المضيئة فى دواوين الديار المصرية» المعروف إلى الآن فى المخطوطات فقط. ويبحث القسم الأساسى من الكتاب كما هو الحال عند ابن مماتى فى نظام الدواوين المالية المختلفة التى يحتل من بينها مركز الصدارة ديوان الأحباس