الذى يعالج الأوقاف كما يعالج أيضا جزءا هاما من الإدارة المالية ، وهو الديوان الوحيد الذى كان بمقدوره أن يتخذ قرارات دون توقيع خاص من السلطان (٦٨). وقد عين النابلسى حاكما على الفيوم عام ٦٤١ ه ـ ١٢٤٣ فوضع خلال عامين (٦٩) وصفا وافيا لها يوجد فى متناول الأيدى فى طبعة لموريتزMoritz. ومن العسير القول بأنه هل يتفق هذا المصنف مع المخطوطة الموجودة باستنبول والتى تحمل عنوان «إظهار صنعة الحى القيوم فى ترتيب بلاد الفيوم» (٧٠) ؛ وعادة يحمل مصنفه عنوانا بسيطا هو «تاريخ الفيوم وبلاده». وينتمى المصنف إلى طراز الجغرافيا الإقليمية (Regional) ويقدم فى عشرة أبواب وصفا يمس فى الغالب الأماكن المأهولة من الفيوم (٧١) ؛ والأبواب التسعة القصيرة كأنما تخدم غرض مقدمة للباب الأخير. فبعد وصف عام مجمل للمنطقة ترد معطيات موجزة عن المناخ ومزاج السكان وأكثر تفصيلا من ذلك وصفه للنظام الهيدروغرافى (hydrographic) للمنطقة واتصال قنواتها بالنيل. وفى الباب الذى عقده عن السكان يتحدث عن انقسامهم إلى حضر وبدو مع سرد أسماء القبائل العربية. كما أفرد اهتماما خاصا فى أبواب الكتاب المختلفة للمساجد والأديرة وأخيرا لطبيعة الأقاليم. ويلى هذا القسم الأساسى من الكتاب الذى يصف فيه المواضع المأهولة ، وهو حافل ومفصل بحيث يمكن من وضع خارطة تخطيطية لمنطقة الفيوم. وهو كجميع المصنفات من هذا الطراز يحفل بالتفاصيل المختلفة سواء فى المسائل الاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بالمنطقة أو فى الجغرافيا الطبيعية. وقد مكنت هذه التفاصيل بدورها أحد العلماء من وضع قائمة بنباتات الفيوم (٧٢) بالرغم من أن النابلسى تفسه لم يكن البتة عالما بالنبات كبعض السابقين له ممن مر ذكرهم للتو.
وقد ضربت الجغرافيا الإقليمية فى هذا العصر فى اتجاهات أخرى بالطبع ، ولم يكن مؤلفوها دائما من أهل المنطقة الموصوفة نفسها. وغير واضح بالنسبة لنا مثلا لماذا أصبح خبيرا ممتازا بجنوب جزيرة العرب والحجاز الأوسط شخص مثل يوسف بن يعقوب الدمشقى المشهور بابن المجاور (٧٣) الذى ولد بدمشق ونشأ وترعرع ببغداد (٧٤). وكانت له صلات بالهند فقد أقام بعض الوقت بملتان ؛ وفى عام ٦١٠ ه ـ ١٢٢١ عبر البحر من الديبل إلى عدن ، وكان ببلاد العرب على أية حال فى عام ٦٢٧ ه ـ ١٢٣٠ ـ والتاريخ الأخير يقابلنا فى مصنفه (٧٥) ، لهذا فإن الرأى الغالب هو أنه قد تم تأليفه قبل عام ٦٣٠ ه ـ ١٢٣٣ بقليل (٧٦) ؛ وهذا بدوره دفع إلى الافتراض بأن تاريخ وفاته. الذى يرجعه بعض المؤلفين عادة إلى عام ٦٩٠ ه ـ ١٢٩١ (٧٧) متأخر جدا على أغلب الاحتمال. وربما يمكن تفسير هذا التردد فى التواريخ بأن اسم ابن المجاور ليس اسمه الشخصى بل هو اسم عام استعمل للتوقير وحمله عدد من من أفراد هذه الأسرة. ونفس هذا التردد فى الاسم يصدق أيضا على مصنفه فهو بحسب آراء البحاثة السابقين يحمل عادة اسم «تاريخ المستنصر» ولكن نظرا لأن مادته لا ترتبط فى شىء مع هذا العنوان الواسع الانتشار فمن المحتمل أنه يجب قراءته «تاريخ المستبصر» وفقا لرأى آخر بحاثة طرق هذا الموضوع (٧٨).