وتاريخ مخطوطات هذا الكتاب معقد للغاية (٩٧) ؛ فإلى جانب المخطوطات التى وجدت طريقها إلى أوروبا بفضل مجهودات شيفيرSche؟fer (٩٨) أضيفت مخطوطتان أخريتان فى عهد دى خويه ولاندبرج (٩٩) ؛ ورغما عن هذا فلم يقدر لأحد هذين العالمين أن يتخذ قرارا حاسما بإخراج طبعة كاملة للكتاب مع أن كليهما كان يعد العدة لذلك ، ولعل لوفغرين كان أكثر حظا منهما فقد استطاع أن يضيف إلى تلك المخطوطات مخطوطة استنبول (١٠٠) وينشر قطعا من كتاب ابن المجاور. والأثر حقا جدير بطبعة كاملة ولو أنه من المبالغة بالطبع وضعه جنبا إلى جنب مع المقدسى كما فعل أول باحث فى الموضوع ، أو مع الهمدانى كما فعل آخر باحث (١٠١). ومع ذلك فيمكن القول بدون تردد أن ابن المجاور كاتب أصيل له طابعه الخاص به وأنه ربما يحتل المكانة الأولى فيما يتعلق بالملاحظات الاثنوغرافية.
من كل هذا يتضح لنا أن البلاد العربية لم تمسها جميعا وطأة الغزو المغولى فى النصف الأول من القرن الثالث عشر ، فاستمرت تنمو وتترعرع بها الأنماط المعروفة للأدب الجغرافى. بل إن كاتبا كياقوت الذى اضطر إلى الفرار أمام جحافل جنكيز خان قد استطاع بالتالى أن يضع مؤلفا كان بمثابة القول للفصل والخاتمة الحسنة فى ميدان المعاجم الجغرافية. وبعد سقوط بغداد فى أيدى المغول عام ١٢٥٨ انتقلت مراكز النشاط الأدبى للغة العربية كما ذكرنا من قبل إلى الشام وأبعد منها إلى الغرب. غير أن هذا لا يعنى أن التأليف الجغرافى قد اختفى من المشرق كلية ؛ وكما هو معروف فقد ظهر باللغة الفارسية فى عهد المغول عدد من الآثار الممتازة فى مجالى التاريخ والجغرافيا. بل إن اللغة العربية نفسها قد عرفت فى النصف الثانى من القرن الثالث عشر مصنفا من أكثر مصنفاتها انتشارا وتداولا بين جماهير القراء ، أعنى بذلك كوزموغرافيا القزوينى. وهذا المصنف كمعجم ياقوت يمثل الأوج كذلك فى نمطه الخاص به ، وهو ذلك النمط من التصنيف الجغرافى الذى ينتحى ناحية العجائب Mirabilia والذى أوفى على غايته واستنفذ أغراضه فى كتاب القزوينى بحيث لم يكشف بالتالى عن أية طاقة جديدة فاكتفى المؤلفون باختصار كتاب القزوينى أو تنقيحه فى صورة أو أخرى.