البحث
البحث في تاريخ الأدب الجغرافي العربي
الفصل الرابع عشر
القرن الرابع عشر
بدأ نصيب الأندلس والمغرب فى تطور الأدب الجغرافى يتضاءل بصورة ملحوظة فى القرن الرابع عشر ؛ وكان السبب فى ذلك هو أن غرناطة قد أصبحت المركز الوحيد للعرب فى شبه الجزيرة الأيبرية ، وهى إن ظلت محتفظة بهالة من الحضارة السالفة إلا أنها كانت دائما تحت رحمة جيرانها الشماليين. وقد أثبت نمط الرحلة بجدارة أنه أكثر الأنماط مقاومة ورواجا غير أن اهتمام المغاربة به كان يتجاوز اهتمام الأندلسيين ، وظل هذا الاتجاه مزدهرا بين ظهرانيهم حتى اختتمه ابن بطوطة فاختتم بذلك فى نفس الوقت سلسلة الرحلات العربية ذات الأهمية العالمية. وباستتباب سلطان المماليك بمصر مدة قرنين من الزمان اقتضت ظروف الحكم أن تولى عناية خاصة للأدب الجغرافى فى جميع أنماطه التى عرفناها من قبل ، فنلتقى فى هذا العصر بنمطى الفضائل والخطط وقد ظل هذا الأخير مزدهرا بمصر حتى القرن التاسع عشر ؛ كما نما بصورة خاصة نمط الموسوعات الذى ساد فى القرنين الرابع عشر والخامس عشر والذى يمثله عدد من المصنفات الضخمة التى تقع فى مجلدات عديدة. أما الشام فتقدم لنا فى النصف الأول من القرن الرابع عشر مصنفين هامين فى الكوزموغرافيا هما مصنفا أبى الفدا والدمشقى ؛ وقد نال الأول منهما شهرة لم يبلغها غيره فى الدوائر العلمية الأوروبية فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وأما إلى الشرق من الشام فإن الأدب الجغرافى يبدو لنا فى قالبه الفارسى وحده ، وإن أسماء رشيد الدين فضل الله وحمد الله قزوينى لتقف شاهدا على أن أهميته قد تجاوزت حدود بلاده. وقد رأينا من الأفضل أن نغض النظر عن التتابع الزمنى بعض الشىء فنؤجل الكلام على موسوعات عهد المماليك إلى الفصل التالى لهذا بوصفها نمطا جديدا فى الأدب الجغرافى وسنختتم ذلك الفصل نفسه بوصف رحلة ابن بطوطة الذى يعتبر من الناحية الزمنية آخر أثر جغرافى كبير يظهر فى القرن الرابع عشر. أما الآثار العديدة الأخرى والتى تنتمى جميعها بالتقريب إلى النصف الأول من القرن الرابع عشر فسيجرى فحصها وتحليلها فى هذا الفصل الواحد تلو الآخر متجهين من المغرب إلى المشرق.
وأول ما يواجهنا منها هو نمط الرحلة التى أخذت تعكس الاهتمام بالعلوم الطبيعية إلى جانب الأدب الفنى والتى تذكرنا إلى حد ما بما لاحظناه فى العصر السابق لهذا. وإلى هذا النمط ينتمى مصنفان لمحمد بن رشيد