الفصل الاوّل
الجغرافيا عند العرب قبل ظهور المصنفات الجغرافية الأولى
للوصول إلى معرفة التصورات الجغرافية فى بلاد العرب قبل الإسلام نجد أنفسنا مضطرين إلى الاعتماد اعتمادا كليا على معطيات طفيفة حفظها لنا العرب أنفسهم ، وهى تفتقر إلى التجانس فى الكثير من الأحايين. وبالطبع فدور بلاد العرب الجنوبية فى تاريخ الشرق القديم خاصة فى محيط التجارة يسوقنا إلى الافتراض بأن العرب قد حصلوا على تجارب عملية مما يحتاج إليه التجار. وقد لعبت بلاد العرب دائما دور الوسيط فى التبادل التجارى بين الهند وأفريقيا الشرقية من ناحية وبلاد دجلة والفرات والإمبراطورية الرومانية من ناحية أخرى. ومن المحتمل أن المعلومات التى جمعها التجار العرب إبان رحلاتهم الطويلة قد تردد صداها فيما خلفوه من أوصاف الطرق المختلفة ، حيث يرد بالإضافة إلى ذكر الأماكن ذكر أهم الآبار وموارد المياه والجبال والقبائل التى يخترق الطريق أراضيها. وقد تبقت شذور من هذه المعلومات التى وصلتنا من السكان المحليين مباشرة فى بعض مصنفات العالم الكلاسيكى القديم ، مثال ذلك «المحطات الپارثية» (The Parthian Stations) لأيزيدور الخركى Isidorus Characensis الذى عاش فى القرن الأول للميلاد وهو من سواحل الخليج الفارسى وربما كان عربى الأصل (١) ؛ وقد ترك لنا وصفا لطرق القوافل بين أنطاكية وحدود الهند (١). ومثال هذا على ما يبدو وصفان لجزيرة العرب ، خاصة فيما يتعلق بمدنها وقبائلها ، وهما لأورانيوس Uranius (٢) وغلاوكوس Glaucos (٣) وقد حفظ لنا منهما شذور نزرة (٤) ؛ وقريبا من عهد جستينيان كانا لا يزالا فى متناول أيدى اسطفان البيزنطى Stephan of Byzantium الذى كثيرا ما أفاد منهما فى معجمه الجغرافى (٥).
وجميع هذه المصنفات لا تعنى كثيرا بالنسبة لموضوع دراستنا (٦) ، ليس فقط لأنها لم تكتب بالعربية التى لم تكن قد ارتقت بعد إلى مصاف اللغات الأدبية ، بل لأنها ظهرت فى محيط الحضارة الكلاسيكية القديمة ولم يفد العرب منها شيئا ؛ وهى لم تعكس الوسط والفترة التاريخية التى بزغت فيها أولى مظاهر
__________________
(*) لا يعرف من أمر إيزيدور هذا شىء يذكر ، والظاهر أنه من مدينةCharax Sapsini وهى مدينة تجارية كانت تقع على فم الخليج الفارسى ويظن البعض أنها المحمرة ويرجح أنه عاش أيام أغسطس قيصر وربما أدرك القرن الأول الميلادى.
(المترجم)