أو تشريح أعضائها «إذ ذلك موضوع لهم فى كتب مدونة». وهذا القول نفسه يصدق على الفن الرابع الذى يتعرض فيه للكلام على النبات فهو لا يتحدث فيه عن منافع النبات ومضاره أو ذكر ماهيته وقواه وطبائعه بل يكتفى بذكر طرف من تجارب الفلاحين والطرق التى مارسوها فى علاجه والعناية به (١١). ولا ينفى مؤلفنا أن الهدف من كتابه هو تقديم جماع ما عرفه فى زمانه علماء العرب واليونان والسريان فيما يخص الأرض والسماء ، وفيما عدا ذلك فإنه يغلب عنده بصورة واضحة الميل الأدبى على الميل العلمى (١٢) فيحفل بنماذج من النثر والشعر من كل لون معروضة عرضا جيدا يكشف عن خبرة كبيرة بالمسائل الأدبية ، وبهذا فإن كتابه لم يقف عند حد تلك العلوم التى أفرد لها «فنونا» مختلفة فحسب بل يعالج «الأدب» فى معظمه (١٣). وينعكس هذا بصورة أوضح فى طريقة عرضه للمادة فى كل باب ، فهو يصدر مواضع بحثه بالقول النقلى من آيات قرآنية وأحاديث نبوية ومذاهب فى التفسير ثم يعقب على ذلك بآراء العلماء من اليونان والعرب. ويلى هذا فى العادة توضيح لغوى تصحبه أمثلة من مجال الأدب بمفهومه الواسع كالنوادر والأمثال والشعر (١٤) ؛ وهو يستشهد بعدد كبير من الشعراء من مختلف العصور (١٥) كما يذكر أسماء عدد وافر من الكتب (١٦).
والكتاب فى جوهره مؤلف نقلى بالطبع ، غير أن هذه الظاهرة يجب ألا تدهشنا فى محيط الأدب العربى ابتداء من القرن الثانى عشر ؛ وعلى أية حال فإن واحدا من البحاثة القلائل الذين فحصوا هذا المصنف فحصا دقيقا يثبت أنه أكثر جدية وأحفل مادة من كوزموغرافيا القزوينى (١٧) وأنه لا يعكس ذلك الميل الواضح إلى العجائب كما هو الحال مع الكتاب الآخر. ومما يزيد فى صعوبة التعرف على هذا المصنف أنه لم يطبع إلى الآن ، وليس هذا فحسب بل أيضا لأن مجموعات المخطوطات المختلفة لا تحتوى منه إلا على أجزاء متفرقة (١٨) ؛ والنسخة التامة الوحيدة المعروفة حتى الآن هى تلك الموجودة بالمكتبة المارونية بحلب والتى لفت إليها الأنظار منذ القرن الثامن عشر أحد كبار ممثلى النهضة الأدبية فى الشام جرمان فرحات (١٦٧٠ ـ ١٧٣٢) (١٩) الذى وضع لها عناوين شاملة فى عام ١٧٢٧ (٢٠) ؛ ثم قام بوصف هذه النسخة بالكثير من الدقة والتفصيل عالمان مختلفان من حلب (٢١) أحدهما هو الذى يجب الاعتماد عليه اعتمادا تاما فى التعرف على الكتاب.
ونظرا لأنه مصنف نقلى متأخر لم يقتصر على الجغرافيا وحدها فإن «مباهج الفكر» لا يمثل خطوة هامة فى تطور الأدب الجغرافى ؛ غير أنه لا يخلو من أهمية بالنسبة لنا لا فى وصفه لذلك العصر وذلك الوسط فحسب بل لأنه يسوقنا إلى التاريخ المبكر للموسوعات فيمكننا من تبين الصلة التى تربطها بالكوزموغرافيا وبالمصنفات الأدبية الأخرى. فهذا المصنف قد لعب بلا شك دورا كبيرا فى تطوير هذا النمط ويرتبط ارتباطا مباشرا بموسوعة النويرى ؛ وبرهان ذلك ليس فقط فى أن هذا الأخير ينقل عنه مرارا بل لأنه من المحتمل أن يكون النويرى قد استعار عنه طريقة التبويب إلى «فنون» محتفظا أحيانا